إنها مصر
من المثير للغرابة بعد سبع سنوات من الأحداث الدرامية الصاخبة، أن يستمر الإخوان في قراءة المشهد السياسي، بنفس الغباء المزمن المصاحب لهم منذ نشأتهم، ولم يفهموا أن الذي يميز مصر، أنها دولة عريقة ومتماسكة، وتستمد عوامل قوتها من ثوابتها، ولديها القدرة علي تحقيق الاستقرار لشعبها، و»لو» استوعبوا دروس صدامهم بالدولة منذ نشأة الجماعة، لتراجعوا ألف مرة عن الترويج لمخططات التآمر.
فإذا كان المقصود هو رسالة للخارج، بأن مصر تعيش أجواءً من عدم الاستقرار، فعلي أرض الواقع تكسب الدولة المصرية مساحات واسعة شرقا وغربا، ويترسخ دورها كقوة إقليمية في المنطقة، استطاعت أن تنجو من زلزال الجحيم العربي، وتحفظ وحدة أراضيها، وتنمي قدراتها الذاتية وتفوق جيشها، وكما لم تنجح الأخونة فشل التقزيم، وبات استقواء الإخوان بالخارج مثيرا للشفقة والرثاء، وشاهدا حيا علي تراجع مفهوم الهوية الوطنية لصالح مشروعهم الخاص.
أحرقت الجماعة الإرهابية كل المراكب، وسارت في طريق بلا عودة، ودفنت أطماعها في مقبرة حفرتها بأيديها، وإذا كان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد لدغوا من نفس الجرح عشرات المرات، ولم تعد معركتهم كما يتخيلون مع الرئيس أو الجيش والشرطة، بل مع الشعب المصري كله، ومن اختار منهم العنف والتحريض، حكم علي نفسه بالسجن والمحاكمة العادلة، التي لم يوفروها لغيرهم أثناء توليهم الحكم، أما من اختار أن يعيش مثل غيره من المصريين، فوطنه يحتويه ولم ينله أذي أو سوء.
لاتزال أبواقهم تنعق ولم يتعظوا من جيل اختطاف الحكم القابع في السجون، أين صلاح أبوإسماعيل الذي كان يصول ويجول ويقتحم أقسام الشرطة وبني مستعمرة أمام مدينة الإنتاج الإعلامي؟.. أين العريان والمرشد وصفوت حجازي والشاطر والكتاتني والبلتاجي وغيرهم، الذين تصوروا أنهم الدولة والسيف والجلاد والقانون؟ وهل كان يخطر بخيال أحد التخلص منهم بهذه السهولة البالغة، بعد أن كانوا خطوطا حمراء لا يجرؤ أحد علي الاقتراب منها.
أجهزة الأمن نفسها طويل وبالها أطول، وتعرف أن الحرب ضد الإرهاب طويلة وشرسة، لكنها في النهاية محسومة لصالح الشعب الذي يحرسه جيشه، والشرطة التي استردت عافيتها واستعادت قوتها، ولن يثنيها عن أداء مهمتها المقدسة شهيد هنا أو جريح هناك، وأن الجيش الذي حرر سيناء من إسرائيل بجيشها الذي لا يهزم، لن تستعصي عليه جماعات إرهابية، تختبئ كالفئران في الجحور.
المؤكد أنها حرب خاسرة، لكن الإخوان ماضون فيها إلي النهاية، حرب لن تعيدهم إلي السلطة، بل تعمق الكراهية وتشيد مزيدا من أسوار العزلة، ولم يستفيدوا من دروس الماضي والحاضر، وكتبوا نهايتهم بأيديهم وجعلوا عودتهم إلي الحياة السياسية مستحيلة، بعد أن خسروا كل شيء وفقدوا معالم الطريق إلي المستقبل، فمصر تسابق الزمن للبناء والتنمية والخروج من عنق الأزمة الاقتصادية، بينما الإخوان غارقون في أوهامهم المصبوغة بالدماء، بعد أن ذهبت شرعيتهم الكاذبة إلي مزبلة التاريخ، فالشرعية للوطن وليس لفرد، ولجموع الشعب وليس لجماعة أو عشيرة، وأصبحت شرعيتهم مثل أصنام الكعبة التي عبدوها ثم أكلوها، وأسقطها الشعب وداسها بالأقدام.
لن يجدوا أمامهم إلا شعبا وجيشا وشرطة »إيد واحدة»، وتصميما أكيدا علي استئصال من يعوق مسيرته، ولن تنقذهم أكاذيبهم وتمسحهم بالإسلام، بعد أن ذاق الناس مرارة حكمهم واكتووا بنارهم، وتهاوت تحت الأقدام أساطير الخداع، التي روجوا لها علي مدي ثمانين عاما.
مستقبل مصر أمامها ومستقبلهم وراءهم، وحربهم الخاسرة لن تكسبهم أرضا بل مزيدا من الضحايا والآلام، وليوقفوا عمليات غسل المخ لجيل جديد، تربي علي كراهية مصر وشعبها، وضل الطريق إلي الإسلام الصحيح، فالقاتل لن يرتقي إلي السماء إذا قتل بل إلي حفرة في النار، ومن الصعب علي النفس أن يحمل جزءا من شباب الأمة السلاح ضد شعبهم، ويتحولوا من عناصر للبناء والتعمير، إلي دمي للقتل والإرهاب.