الأهرام
هانى عسل
حديث «البنزين»!
«زمان» قلنا إن مصر ليست تونس، ولم يصدقنا أحد، وحدث ما حدث، وتلقينا درسا أليما!

واليوم نكرر أن مصر ليست الأردن، ومن أراد أن يصدق فليفعل، ومن أراد العكس، فليتفضل، أهلا وسهلا!

فى الأردن، زادت أسعار المحروقات 5%، فقط، فثار الشارع، بفعل فاعل، وأقيلت الحكومة، وتراجعت الدولة، وصفقوا وطبلوا للشارع، ثم جاء «المدد» من السعودية والكويت فى صورة مبلغ بسيط لا يكفى بلدا كمصر أسبوعا واحدا، والدنيا «اتلمت».

وفى مصر، ارتفع البنزين 60%، والمواصلات 20%، والكهرباء 26%، والمياه 46%، وتذاكر المترو 65%، كل ذلك فى أقل من شهرين، فغضب الناس، متفهمين أم على مضض، ولكن الدولة لم تتراجع، ولن تتراجع، ولم تمد يدها إلى أحد، فهى تنفذ ما تعاهدت عليه معنا منذ اليوم الأول، ونذكر ذلك جيدا، ونذكر «هاتتعبوا معايا»، ونذكر «مش ها تناموا»، ولكننا نحن الذين نسينا، واستسهلنا كلمة «أي»، واحترفنا لعبة رفع الأسعار على بعضنا البعض، بداية من مصاريف المدارس والدكاترة، ونهاية بحبة البطاطا والتين الشوكي، وبينهما التوك توك الذى لا يدفع ضرائب ولا مخالفات ويسير بالبنزين الذى تدعمه الدولة.

إذن، خفض الدعم أصبح واقعا، وله مبرراته الاقتصادية، ولا بديل عنه، وتوقيته الآن بالفعل وليس غدا، ولن يفلح معه ضغط شارع، ولا شتائم و«كوميكس» و«ولولة» ومقالات حلول اقتصادية جهنمية على السوشيال ميديا، ولا قصائد وأغنيات شعراء ومطربى درجة عاشرة، وعلينا أن نرتب حياتنا على هذا الأساس.

من هنا، بات لزاما علينا أن نفكر فى حلول عملية وواقعية لترشيد الاستهلاك وتوفير البنزين والسولار، بدلا من الشكوى والندب والعويل وادعاء «المسكنة»، أو بدلا من انتظار ثورة حدثت بالفعل قبل سبع سنوات أتت على الأخضر واليابس ونسدد فاتورتها الآن من دم قلبنا.

على الحكومة أولا تقليل عدد السيارات المصاحبة للوزراء والمسئولين وكبار الموظفين وكل من هب ودب، بل وتقليل عدد هؤلاء المبار أصلا، طالما أن المواطن ممتعض من هذه النقطة بالذات، وهناك وزراء ومسئولون فى جهات عديدة لن يعرفهم أحد إذا ساروا بمفردهم فى الشارع، ولن يتعرض لهم أحد إذا ساروا بدون سيارات الحراسة الباهظة!

وعلى الحكومة أيضا اتخاذ قرار جرئ ومبتكر، ومن وحى إجازة العيد الطويلة أخيرا، باستحداث يوم إجازة ثالث كل أسبوع، بخلاف الجمعة والسبت، لتفريغ الشوارع قليلا، ولتوفير مصاريف انتقال الموظفين والعمال فى الحكومة وما شابه من وإلى أعمالهم، وأرجوكم، لا داعى لحجة عجلة الإنتاج هذه، لأننا جميعا نعرف أنه لا يوجد لدينا لا عمل ولا إنتاج، فقط رواتب تهدر، وشوارع تمتليء بملايين البشر، بلا مبرر.

وبالتأكيد، هذا هو الوقت الأمثل لتقنين التوك توك، وغيره من أشكال الاقتصاد الأسود، فلم يعد مقبولا على الإطلاق بعد رفع أسعار النقل العام المدعوم من الدولة، والنقل الخاص الذى يسدد التزاماته للدولة، ترك هذا الكائن العشوائى يعربد فى شوارعنا، بحجة أنه يخدم الغلابة ويوظف الشباب، ويكفي أنه قبل يومين، نقلت «رويترز» تصريحا مستفزا لسائق توكتوك من كفر الشيخ يقول فيه : «قررنا رفع الأجرة من 4 جنيهات للفرد إلى 5٫5 جنيه، ومن لا يعجبه لا يركب، ولن نكون أغنى ولا أحن من الحكومة على المواطن، ولن نجامل «المواطن على حسابنا»!

وهناك أيضا إجراءات وحلول كثيرة «خارج الصندوق» لتوفير استهلاك الوقود بأنواعه، مثل تسهيل إجراءات نقل التلاميذ من مدارس بعيدة إلى أخرى قريبة، لتوفير بنزين سيارات الأهالى وباصات المدارس، ومثل إلغاء المطبات الصناعية، وترميم المطبات والحفر «الطبيعية» من الشوارع وكل معطلات المرور التى تزيد استهلاك الوقود، ومثل العمل بالإشارات الضوئية الرقمية بدلا من تشغيلها يدويا، ومثل إلزام أصحاب الأعمال بتطبيق نظام جديد يساعد موظفيهم على الحضور لأعمالهم بوسائل نقل جماعية بأسعار معقولة، لتقليل استخدام العاملين لسياراتهم الخاصة.

.. الكل يعاني، لكن هناك فارقا بين من يعانى ويتفهم، ومن يعانى ويتفهم ويشكو، ومن يعانى ويشكو ولا يتفهم، وليس أمامنا سوى أن نتغير، ونكون مثل الكوريين واليابانيين واليونانيين والقبارصة والأرجنتينيين والهنود والماليزيين والصينيين، فهؤلاء عانوا، وتقشفوا، وحاربوا الفساد من أعلى ومن أسفل، وبعضهم استدان، وبعضهم نظم النسل، ونحن لسنا أفضل منهم، ولا أقل منهم، ولكننا ايضا لسنا تونس، ولا الأردن، ولن نكون!

.. والعار كل العار لمن كان لتر البنزين عنده أغلى من دم شهيد!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف