رياض سيف النصر
القبائل المصرية .. بين مقاومة الاحتلال والولع بالسياسة
رحل عن عالمنا منذ أيام. المجاهد الليبي سيف النصر عبدالجليل. وزير الدفاع الليبي الأسبق. وصاحب التاريخ المشرف في ملحمة الجهاد الليبي ضد "الطليان". والذي شارك عائلته قيادة المقاومة الشعبية حتي تحقق الاستقلال.
استقبلت مصر سيف النصر. في أكثر من مرحلة من مراحل نضاله. وعقب قيام ثورة الفاتح من سبتمبر قرر البقاء في مصر ولم يغادرها. حتي وفاته.. واختار أن يدفن في أراضيها. عن عمر يناهز 93 عاماً.
عين سيف النصر رئيساً للمجلس التنفيذي لولاية فزان. وبعد إلغاء نظام الولايات تولي وزارة الدفاع. وبسقوط النظام الملكي عاد لمصر التي عشقها.. وعبر عن هذا العشق في قصيدة بالعامية الليبية.
مصر ما ننسوها.. حتي
إن غيبنا عنها نجوها
مصر العزيزة بروحنا نفدوها..
من كل مستعمر ظلوم وعادي
ملاذ الجيران إن كانوا زوارها..
بيهم يرحب شعبهم وينادي
يروي الباحث المهدي يوسف كاجيجي. واقعة إنقاذ الطفل سيف النصر من أيدي الإيطاليين. و لجوئه مع والده إلي مصر.. يقول:
في منطقة "واو" في الجنوب الشرقي من ليبيا. كان تجمع القوافل التي تضم عائلات المجاهدين. خليط من النساء والأطفال. قامت القوات الإيطالية بمهاجمتهم. ووقعت أم سيف النصر وشقيقته في الأسر. تم نقلهما إلي طرابلس حسب رواية الجنرال "جرسياني" أما الطفل سيف النصر.. فلقد خطفه واحد من رجال والده المجاهد والزعيم عبدالجليل سيف النصر. وانطلقوا به عبر الصحراء. ليتقابلوا مع هودج يحمل عروساً. فحملته معها. وبقي في ضيافة قبيلتها حتي لحق بوالده علي الحدود مع مصر. لينتقل بعدها مع الأسرة لمدينة الفيوم.
اشتري والده مزرعة كبيرة في الفيوم حولها إلي نجع ليبي.. ضربت به الخيام. وتحول المكان إلي ملتقي لقيادات المقاومة في المهجر.. ومساندة الداخل.
والحقيقة أن العديد من مراكز الفيوم وقراها. التي استقبلت قوافل الهجرات العربية. منذ أكثر من ثلاثة قرون. تحولت إلي أماكن تساند الجهاد الليبي.. وتوفر للمجاهدين السلاح والمال.
التقيت بالوزير الليبي الأسبق في مناسبات اجتماعية. ولكن علاقتي توطدت بنجله المثقف والشاعر. المرحوم عبدالجليل. الذي تزوج بنجوي ابنة عمي موسي سيف النصر. عضو مجلس الشيوخ مع مطلع ثورة يوليو.
وما من مرة يتجمع رموز القبائل العربية. إلا وتثار مسألة غياب الكتابات التي تؤرخ للدور الذي لعبته القبائل المصرية في مساندة الدولة العربية حتي حصلت علي استقلالها. وما قدمه أبناء الفيوم علي وجه الخصوص من دعم للمجاهدين الليبيين في مواجهاتهم مع "الطليان".. وما قدمته مصر لأبناء القبائل الذين وفدوا إليها منذ أكثر من أربعة قرون.
ويشير الإعلامي السابق في وكالة الأنباء الفرنسية. والباحث الجاد في شئون القبائل العربية "سيف النصر علي سيف النصر" في دراسة بعنوان: "القبائل بين مقاومة الاحتلال والولع بالسياسة" إلي أن مصر استقبلت المهاجرين الذين قدموا إليها. علي الرحب والسعة.. متفاعلين مع غيرهم من المواطنين المصريين. مسلمين وأقباطاً في إطار وحدة وطنية لا تنفصم عُراها.
ويؤكد الباحث أن هذه خاصية تنفرد بها مصر. التي أظهرت علي مر العصور. قدرة فائقة علي استيعاب التماثل الثقافي. والتنوع العرقي وصَهْرهما في بوتقة الوطنية المصرية.. وبذلك فإن الشعور بالوطنية المصرية يسبغ هوية وانتماء.. أي تنوع وأصول إثنية لهذه القبيلة العربية أو تلك.
إن القاسم المشترك الوجودي الإنساني. الذي يجمع بين القبائل العربية في مصر. هو الشعور بأهمية الانتماء إلي هذا البلد الأصيل.. وطناً ووجوداً ومشاركة.
ويقدم الباحث نموذج عائلة موسي التي تنتمي إلي قبيلة السمالوسي. للتدليل علي المواقف الوطنية لأبناء تلك القبائل.
ولعل أبرز مجالات العمل الوطني. وأعلاها قيمة.. وأرفعها مرتبة هو مجال مقاومة المحتل. فقد اتخذت مقاومة العائلة للمحتل مسارين متوازيين. أحدهما داخلي.. بالمشاركة الفعالة في أحداث ثورة 1919. أما ثانيهما فقد تمثل في يد العون والمساعدة للمقاومة الليبية ضد المحتل الفاشيستي.
ويشير إلي ما ذكره المؤرخون. عن الدور الذي لعبه رياض سيف النصر في أحداث الثورة. فقد قام بشن هجوم بالاشتراك مع عشرات المئات من أبناء عائلات قرية أبوجندير. علي مركز شرطة اطسا. بهدف الاستيلاء علي أسلحته وتوزيعها علي أفراد الشعب. ضمن انتفاضة ثورية عارمة. شملت جميع أنحاء القطر المصري. كما قامت المجموعة بتدمير خط السكك الحديدية الذي كان يربط مركز اطسا بقرية أبوجندير.. وبعد أن سيطر الإنجليز علي الموقف في إطسا وفي مديرية الفيوم. قاموا بمحاصرة قرية أبوجندير. وتفتيش بيوتها. وتعذيب سكانها. وتم اعتقال رياض سيف النصر مع بعض أتباعه. وأودعوا سجن بني سويف. ولم يفرج عنهم إلا بعد عامين "1921".
وفي عام 1922 شهدت الساحة الدولية تطوراً مفاجئاً. فقد استولي موسوليني. وحزبه الفاشي علي السلطة في روما. وسعوا إلي تشديد قبضتهم علي ليبيا. تثبيتاً لتواجدهم الاستيطاني فيها. مما دفع شيخ الشهداء "عمر المختار" إلي طلب المساعدة والمعونة من القبائل العربية في مصر. التي استجابت فوراً لنداء المختار لنُصرة المجاهدين الليبيين. الذين كانوا يقاتلون في ظروف شديدة التعقيد لوجستياً وإنسانياً. وكانت استجابة مصر آنذاك للمختار. ومدها يد العون لشقيقتها ليبيا. ليس تحقيقاً لمآرب أو سعياً لمكاسب.. إنما جاء مسلكها إعلاء لكلمة الحق ونُصرة العدل.
في هذا الإطار كلف سيف النصر موسي نجله رياض. بإرسال السلاح والعتاد إلي المجاهدين داخل ليبيا. علي الرغم من وجود سلك شائك علي طول امتداد الحدود الليبية المصرية. منعاً لتهريب الأسلحة.. ورغبة في تجفيف منابع المقاومة.
ومع ذلك نجح رياض في أكثر من عملية ميدانية في تهريب السلاح إلي المجاهدين عبر صحراء قارون بالفيوم. وصولاً إلي الواحات. ومنها إلي الكفرة في ليبيا.
كان رياض أحد أنشط العناصر النضالية مقاومة للاحتلال الإنجليزي. مما جعله يرتبط بصلات تنظيمية مع جماعة "اليد السوداء" المناهضة للإنجليز. كما كانت له علاقات قوية بالخلايا التنظيمية الكفاحية التي نشأت حول عزيز المصري وعبدالرحمن عزام. وصالح حرب.
ويشير الباحث إلي الدور الذي لعبته القبائل في الاقتصاد المصري والسياسة المصرية. دشن سيف النصر موسي الانخراط في العمل السياسي بترشحه نائباً عن دائرة اطسا عام 1931. حيث فاز بعضوية مجلس النواب. خلال وزارة إسماعيل صدقي باشا. كما كان حليفاً ومناصراً لطلعت حرب الذي كانت طموحاته الاقتصادية ترمي إلي تأسيس وإقامة اقتصاد مصري حديث ومتحرر من التبعية للأجنبي. وتضامناً مع تلك السياسة ساهم سيف النصر موسي مع غيره من أعيان الفيوم في تأسيس بنك مصر ــ الفيوم. وذلك بشراء أسهم وسندات بأموال طائلة.
ويشير الباحث إلي أن المنافسة في انتخابات المجالس النيابية. كثيراً ما كانت تجري بين أبناء القبائل. ترشح موسي سيف النصر عام 1946 عن دائرة اطسا في مجلس الشيوخ. ممثلاً للحزب السعدي. وفاز علي منافسه عبدالقادر الباسل. ثم ترشح عام 1950 عن حزب الوفد ففاز علي نفس الخصم.
وخلال نفس السنة ترشح أمين عبدالكريم فيصل موسي لعضوية مجلس النواب. عن دائرة العجميين ففاز علي منافسه رياض زيدان.
ويرصد الباحث أسماء النواب الذين اختارهم الشعب حتي هذه اللحظة. حيث يمثلهم كامل فيصل موسي.