الأهرام
عبد الرحمن سعد
ماذا بعد رمضان؟
جاء في الأثر: "من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة المعصية المعصية بعدها". أقول هذا بمناسبة انقضاء شهر رمضان لعام 1439 هجريا، إذ إن العمل الصالح لا ينقضى بانقضائه، والانتقال من الطاعة إلى المعصية نذير عدم قبول الله للعمل.
لا يتوقف العمل الصالح في حياة المرء إلا بالموت. قال تعالى: "وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".(الحجر: 99).(أي: الموت). قال القرطبي: "المراد استمرار العبادة مدة حياته"، كما قال العبد الصالح: "وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا".(مريم:31).

كما أن العبرة بخواتيم الأعمال؛ لحديث سهل بن سعد، رضي الله عنه، في صحيح البخاري، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: "إن العبد ليعمل عمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار.. الأعمال بالخواتيم".

وفي رواية للإمام أحمد في المسند (صححها الأرناؤوط): "وإنما الأعمال بالخواتيم"، أي بخواتيمها.

وفي مسند الإمام أحمد أيضا، وصححه الأرناؤوط والألباني، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته. قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه".

والأمر هكذا، يحرص المسلم؛ على دوام الطاعة، وعدم انقطاعها، سواء في رمضان أو غيره من الشهور، وسواء كانت صوما، أو صدقة، أو قيام ليل، أو قراءة قرآن، أو عطفا على الفقراء والمساكين، أو أمرا بالمعروف، أو نهيا عن منكر، أو جهادا في سبيل الله، أو التماسا للرزق الحلال، وغيرها من أعمال صالحة.

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: "سُئِلَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهَا، وَإِنْ قَلَّ". (رواه البخاري). كما كان عمل النبي، صلى الله عليه وسلم: "دِيمة"، وفق تعبير السيدة عائشة أيضا، رضي الله عنها.

لكن البعض ينقلب على عقبيه، بمجرد اختتام رمضان، فلا يكتفي بالتفريط في الطاعات التي اكتسبها طيلة الشهر، بل يعود إلى ارتكاب المعاصي. وفي التحذير من ذلك ورد في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ، وَالنَّصَبُ".

كما قد نبهنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى إِتباع صوم رمضان بصوم ستة أيام من شوال، حتى لا يتنكب المسلمون فيه لطريق الطاعات التي ساروا عليها في رمضان.

أخرج مسلم، في صحيحه، من حديث أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". (المقصود بالدهر السنة).

وتنوعت آراء العلماء في كيفية العمل بهذا الحديث، واتفقت أكثريتهم على استحباب صومها، شريطة عدم اعتقاد وجوبها، إذ لا تجوز الزيادة في عِدَّة رمضان.

وفي كيفية صومها ورد استحباب صومها من أول شوال متتابعة، أو متفرقة طيلة الشهر، أو قبل الأيام البيض الثلاثة (منتصف الشهر)، أو بعدها.

وخرَّج أبو يَعلى الموصلي، بإسناد متصل عن أسامة بن زيد، أنه قال: "كنت أصوم شهرا من السنة، فقال لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "أين أنت من شوال؟". فكان أسامة إذا أفطر أصبح الغد صائما من شوال حتى يأتي على آخره.

وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عدة منها أن الصيام في شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلوات المفروضة، أو بعدها: يكمل بها لمرء ما وقع منه في الفرض من خلل، ونقص.

قال صاحب "لطائف المعارف" (ابن رجب): "من عمل طاعة من الطاعات، وفرغ منها فعلامة قبولها أن يصلها بطاعة أخرى، وعلامة ردها أن يعقبها بمعصية".

وأردف: "ما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحوها، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها. وما أقبح السيئة بعد الحسنة تمحقها".

وقال الشاعر: "إذا أنت لم تزدد على كل نعمة.. لموليكها شكرا فلست بشاكر".

وقال أبو عمر الشيباني: قال موسى عليه السلام يوم "الطور": "يا رب إن أنا صليتُ فمِن قِبلك، وإن أنا تصدقتُ فمِن قِبلك، وإن بلغتُ رسالاتِك، فمن قِبلك، فكيف أشكرُك؟ قال: "يا موسى.. الآن شكرتني".

والأمر هكذا، كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقضي ما فاته من أوراده برمضان، في شوال. كما ترك اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، في عام، فقضاها في شوال، واعتكف العشر الأول منه.

وبالنسبة لقيام الليل: "كان النبي، صلى الله عليه وسلم، لا يزيد في رمضان، ولا غيره، على إحدى عشرة ركعة"، بحسب وصف السيدة عائشة، رضي الله عنها.(صحيح مسلم).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف