ماجد حبته
المليارات المُهدَرة على الكتاب المدرسى
ملياران من الجنيهات، ضائعان أو مُهدَران، سنويًا، كان من المفترض أن تبدأ خطة توفيرهما، بدءًا من هذا العام، بعدم طباعة كتب الصف الأول الثانوى للعام الدراسى 2018 ـ 2019، استعدادًا لتطبيق النظام الجديد، الذى يعتمد على دمج التكنولوجيا بالعملية التعليمية والذى سيكون فيه الحاسب اللوحى أو «التابلت» بديلًا للكتاب المدرسى الورقى أو المطبوع. بالفعل، صدرت تعليمات الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، فى ديسمبر الماضي، بعدم الطباعة. وتكررت تصريحات الوزير بأن الكتاب الإلكترونى سيحل بديلًا للكتاب الورقى بدءًا من الصف الأول الثانوى خلال العام الدراسى الذى سيبدأ فى سبتمبر المقبل. غير أن الوزارة، وزارة التربية والتعليم، عادت وأمرت بطباعة كتب كل الصفوف بدءًا من الأول الابتدائى حتى الثالث الثانوي. وبالفعل تسلمت 76 مطبعة حكومية وقطاع أعمال عام، وقطاع خاص، فى الأسبوع الأول من أبريل الماضي، أوامر التوريد. ومن المفترض أن تكون قد بدأت تسليم كتب الفصل الدراسى الأول فى مايو الماضي. البيانات الرسمية، لوزارة التربية والتعليم، تقول إن ميزانية طباعة الكتاب المدرسى فى العام الدراسى 2014 ـ 2015 بلغت 795 مليونا و438 ألف جنيه، وفى 2015 ـ 2016لترتفع فى العام الدراسى 2016 ـ 2017 إلى مليار و93 مليونا و412 ألف جنيه، ثم قفزت التكلفة إلى الضعف تقريبًا فى العام الدراسى 2017 ـ 2018 ووصلت إلى مليارين و344 مليونًا و864 ألف جنيه. أما مناقصة العام المقبل (2018 ـ 2019) فكانت 1.8 مليار جنيه، بانخفاض قدره 20% عن مناقصة العام السابق، بسبب تقليل عدد صفحات الكتب، وليس بسبب انخفاض التكلفة أو زيادة عدد المطابع التى بلغت 76 بزيادة 16 مطبعة عن المناقصة الماضية، التى شهدت انخفاضًا فى عدد المتقدمين، وانسحاب عدد آخر، نتيجة زيادة الأسعار وبالتالى زيادة التكلفة ونزول هامش الربح ووصوله إلى ما تحت خط الخسارة.
المتضررون، إذن، كثيرون أو هكذا يدّعون. وعليه، كان منطقيًا وطبيعيًا، أن نخطو الخطوة التى سبقتنا بها مؤسسات تعليمية فى دول عديدة، أبرزها كوريا الجنوبية التى اعتمدت الكتب الرقمية فى المدارس والجامعات، منذ 2011 وتبعتها الولايات المتحدة فى 2012. وعلى عكس كثيرين وجدتها خطوة إلى الوراء حين تداولت صفحات التواصل الاجتماعي، منذ أسابيع، ورقة عبارة عن كتاب دورى منسوب صدوره إلى مجلس الوزراء، يفيد بأن المجلس وافق على استخدام الكتاب المدرسى مع أجهزة الحاسب اللوحي، «التابلت»، بداية من الصف الأول الثانوى اعتبارًا من العام الدراسى الجديد، 2018 ـ 2019 مع مراعاة الاعتبارات الخاصة بسوء الاستخدام، وقدرة الشبكات، وصيانة الأجهزة. وبحسب الورقة نفسها، فإن مجلس الوزراء وافق على استخدام بنك الأسئلة وتطبيق الاختبارات وتصحيحها عبر شبكة الانترنت ولكن بصورة تجريبية، على أن يتم تقييم التجربة والتعرف على مشاكلها تمهيدًا لتطبيقها بشكل كامل فى العام التالي. خطوة إلى الوراء أو عام جديد ضائع، قد تصبح خطوتين وعامين، إذ لم تعلن وزارة التربية والتعليم، إلى الآن، بدء خطة تدريب المعلمين، التى قيل إن إعلانها سيكون خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو الحالي، الذى لم يصلنا فيه غير اعتراض أحد أعضاء لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، على تخصيص مليارى جنيه لشراء «التابلت». ووصلتنا أيضًا تصريحات، تداولتها صحف ومواقع إلكترونية، لنائب آخر، زعم فيه أنه «لا توجد خطة واضحة للمنظومة.. ومش عارفين لها رأس من رجلين«. قبل أن نعرف أن اللجنة لم تنجح فى توفير 28 مليارا طلبها قطاع التعليم لتطوير المنظومة التعليمية، ولكن تمكنت من توفير بذور الخطوات الأولى للعملية التعليمية التى تستطيع الوزارة من خلالها توفير «التابلت» وعمل الوصلات المدرسية، مع رفع مرحلى لرواتب المعلمين!. على جنب، ضع كل ما سبق وأجب عن السؤال التالي: ماذا يفعل التلاميذ أو الطلاب بتلك الكتب التى تكلف الخزانة العامة قرابة مليارى جنيه سنويًا؟ الواقع الذى عاشه جيلنا، وعاشته أجيال سابقة ولاحقة، يقول إن الكتاب المدرسي، كتاب الوزارة، لا تمسسه يد إلا لو قام مدرّس بإجبار التلاميذ على حمله فى حقائبهم التى قد لا يخرج منها. ولن أحكى لك قصة ما توصف بـ«الكتب الخارجية»، لأنك بالتأكيد كنت شريكًا فيها أو أحد أطرافها منذ طلب منك «الأستاذ» شراء «سلاح التلميذ» أو «الأضواء» وأنت فى الصف الأول الابتدائى حتى كتاب «المعلم» وأخواته مع كتب خارجية أخرى طولبت بشرائها وأنت فى الصف الثالث الثانوي. لن أحكى تلك القصة التى لم يكن للكتاب المدرسى (كتاب الوزارة) أى دور فيها، مكتفيًا بنهايتها غير السعيدة التى تقول إن «الكتب اللى بيتصرف عليها 2 مليار جنيه، بيتلف فيها طعمية فى الآخر»، والعبارة بنصها أنقلها عن وزير التربية والتعليم، الذى وعد، فى 9 سبتمبر الماضي، بأنه «خلال عام أو عامين مفيش كتب، كله حايتحول إلى رقمى» ،آمام هذا الوعد لا نملك الا أن نقول : يا مسهل.