محمد أمين المصرى
كلمات .. «نورس» جولدا مائير!
كلما تمكن الغرور بقادة إسرائيل وفرحتهم بقوتهم الحالية ودعم واشنطن لهم في ضرب المواقع السورية وقتل الفلسطينيين، نذكرهم بقصة «النورس» التي كتبها الكاتب الإسرائيلي آريه لوبا إلياب عام 1972. وقد مزج فيها الخيال بالواقع وكان البحر هو الرابط بينهما، ولم يكن يدرى المؤلف أن هذا «النورس» سيكشف له جهل قادته العسكريين والسياسيين وقتذاك. وتدور القصة القصيرة حول سفينة تجري في البحر ومن بين فصولها: .. الربان وزملاؤه سكارى من خمر مجدهم، مأخوذين بخيلاء كبرهم وواثقين بأنفسهم وبمكانتهم... وفوق ساريتها يحوم نورس حاد النظر، يغوص بين الفينة والأخرى ويرى ما يجري في السفينة على كل أقسامها... ويشاهد في الأفق البعيد سورا من الصخور المهيبة المسننة... والقابض على المقود لا يرى إلا طرف الخرطوم الذي أمامه. والنورس يعرف ذلك، ويريد أن يحذر الربان وزملاءه :أفيقوا من خمركم، اجمعوا مجاديفكم, وأرفعوا أشرعتكم، وغيروا الاتجاه، دعوا الرياح الطيبة والأخرى أن تقدكم الى شاطىء الأمان.
رفضت الصحف الإسرائيلية نشر القصة أو حتى طباعتها، فألح إلياب قائلا:هؤلاء القباطنة هم الحكومة، حتي أقنع صحيفة دفار بنشرها في 15 سبتمبر 1973، أي قبل ثلاثة أسابيع من اندلاع حرب اكتوبر، وليعتبرها الكاتب وثيقة تحذير لقادته ولكنهم لم يستمعوا إليه.
موشيه ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الذي طالما تفاخر بجهل العرب وأنهم أمة لا تقرأ وإن قرأت لا تعي ما قرأته، كان من القيادات الإسرائيلية التي لم تقرأ النورس وشاركته في الجهل والغرور والصلف رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير. أدرك الكثير من الاسرائيليين بعد هزيمتهم في حرب أكتوبر أن القيادتين السياسية والعسكرية لم تكونا على قدر المسئولية وأنه كان بالإمكان تقليل خسائر الحرب لو كانت القيادة السياسية تحديدا قرأت جيدا المستجدات على السياسة المصرية مثلما حذر منها إلياب، الذى لم يكن يدري أن تتحقق أحداث قصته النورس وأن رسالته ستجر على القيادة الإسرائيلية التي تشبعت بالغرور والصلف، المتاعب والمآسى. فالغرور يفقد أي قيادة مهما كانت جبارة براءتها، ويحطم أساطير قوتها ويصيبها بجرح لا يندمل أبدا.