الجمهورية
زياد السحار
دولة المؤسسات.. حلم يتحقق
كثيراً ما تحدثنا في الماضي وحلمنا أن نكون دولة مؤسسات لا تعتمد في تسيير أمورها علي "الأشخاص" مهما تعالي شأنهم وزادت قدراتهم.. ولكن هذا ــ للأسف ــ لم يتحقق.
وأتصور أن مصر الآن في ظل قيادتها السياسية الوطنية وأهم ما يميزها هو التجرد عن الذات.. بدأت تقطع خطوات جادة علي هذا الطريق ولا سيما وهي تتطلع مع الشعب إلي بناء الدولة المصرية الحديثة وتقيم مشروعاتها القومية العملاقة وتتبني سياسة الإصلاح الاقتصادي الحاسمة بعيداً عن المسكنات والحلول الوقتية.
ولعل ما يحاول أن يرسخه الرئيس في أحاديث الشفافية والمصارحة مع الشعب ترمي لهذا الهدف.. وايضا وهو يبرز الدور البطولي لأبناء مصر الشرفاء. الذين قدموا أرواحهم بجسارة وبلا مقابل فداء للوطن. ولكي نعيش بالاستقرار والأمن والأمان الذي تحسدنا عليه شعوب دول شقيقة مجاورة سقطت في براثن المؤامرة وفقدت رجالها وترملت نساؤها وتشرد أطفالها في كل ربوع العالم.
وقد جاءت عملية التغيير شبه الكاملة في الحكومة الجديدة لتؤكد أننا فعلاً قطعنا شوطاً كبيراً لتحقيق هذا الحلم الذي غاب طويلا ــ دولة المؤسسات ــ الذي كان أول من تحدث عنه الرئيس الراحل أنور السادات في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حتي إنه اختلط علي الناس وتصوروا أنه يقصد المؤسسات الاقتصادية التي كانت تهيمن علي القطاع العام والعملية الانتاجية حتي طالت قطاع السينما الذي أصبح مؤسسة تنتج الأفلام الكبري التي لا يقدر عليها منتجو القطاع الخاص.
ولكن مع زيادة الوعي السياسي بدأ يدرك الناس بعد ذلك معني كلمة "دولة المؤسسات" التي لا تقوم علي الأفراد. ولا تتهاوي الإنجازات الكبيرة التي يديرها أشخاص بمجرد زوالهم.. ولعل الادارة الامريكية هي أكبر مثال في العالم لهذا العمل الرئاسي المؤسسي رغم تحفظنا علي سياسات الرئيس الامريكي الحالي الذي يحاول أن يغير من هذا المنهج الحاكم. ولكن أتصور أنه لن يصمد طويلاً أمام عناصر الإدارة الحاكمة الاخري.
¼¼¼
وقد كانت تأكيدات الرئيس في هذا الصدد حاسمة لدي اجتماعه بأعضاء الحكومة الجديدة عقب أداء اليمين الدستورية ــ ومطالبته لهم بأهمية أن تكون هناك عملية تسليم وتسلم بين أعضاء الحكومة السابقة والجديدة بشكل منظم وسلس. وأن تخصص فترة زمنية محددة لذلك حتي يتسني البناء علي الخبرات السابقة. فضلاً عن ضرورة أن يتعرف كل وزير جديد عن قرب علي طبيعة وثقافة وزارته.. وأن يتم التركيز علي سبل الدفع بالعمل المؤسسي وتنظيم الاستفادة من القدرة المؤسسية المتوفرة في كل وزارة بالاضافة إلي صياغة سياق مهني وفكري داخل كل وزارة يتناسب ويتسق مع الأهداف والتوجيهات التي تسعي الدولة لتحقيقها بالقطاعات المختلفة.
وأتصور أن ما طلبه الرئيس من الوزراء ويجب أن ينسحب ايضا علي كل القطاعات والأجهزة الحكومية.. فيجب أن يدرك الجميع من رؤساء العمل أن قيادتهم لهذه المنشأة أو تلك هي مرحلة في سلسلة مراحلة عديدة متجذرة وممتده ولا يجب أن يأتي المسئول لينسف و"يخسف" الأرض بما قام به سابقه من قبل من اعمال أو إنجازات.. ويدرك تماماً إنه مفارق للمنصب مهما طالت مده بقائه به وأن رئاسته هي تكليف لا تشريف فلا يجب ايضا أن يحيط نفسه بهالات السكرتارية والفخامة والسيارات الفارهة والحراسة الزائدة التي لا طائل من ورائها سوي الإسراف الزائد وتضخيم الذات وفتح الباب أمام المتزلفين والمنافقين المستفيدين علي حساب مجموع العاملين الذين يجب أن يشاركوا بفاعلية دون رهبة أو خوف في منظومة العمل وإبداء ارائهم بحرية طالما يبغون المصلحة العليا للعمل باعتبار أن هذا الهدف الغالي والثمين أكبر من الجميع.
وفي هذا الإطار يأتي ايضا أهمية ما وجه إليه الرئيس خلال اجتماعه بالحكومة بإيلاء الاهتمام اللازم لتعزيز برامج التأهيل والتدريب للعاملين بمختلف الوزرات والارتقاء بقدراتهم المهنيةوتطويرها في إطار التوجه العام للدولة بدعم الاستثمار في مختلف القدرات البشرية.
¼¼¼
ولكن تبقي ملاحظة في النهاية كنت أتمني ألا تغفل عن رئيس الحكومة الجديدة الدكتور مصطفي مدبولي وهي احتفاظه بحقيبة وزارة الإسكان.. فلا شك أننا نتفهم الدور الكبير الذي قام به شخصياً فيما حققه من انجازات في قطاع الاسكان خاصة مشروع الاسكان الاجتماعي والارتقاء بالعشوائيات وما يكلف به من مشروعات كبري تدخل في نطاق اختصاصة.. كما نتفهم حرص الدولة علي الاحتفاظ بنفس قوة الدفع في هذه الوزارة المهمة.. ولكن أتصور أنه طالما ارتضينا أن نخضع جميعاً لمفهوم دولة المؤسسات فكان أحري أن تندرج هذه الوزارة التي احتفظ بها في هذا الإطار ويستطيع رئيس الحكومة التوجيه والمتابعة عن بعد.. ولعل الدكتور مدبولي يتدارك هذا الأمر ترسيخاً لهذا المبدأ الذي حلمنا به طويلاً ونظنه يتحقق الآن بفضل رؤية وجرأة القيادة السياسية فيما تتخذه من قرارات لا تبغي سوي مصلحة الوطن والمواطن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف