المصريون
عادل عامر 2
نشاط الجريمة الاقتصادية
من المتوقع أن يزداد نشاط الجريمة الاقتصادية في عصر العولمة واستحداث أنماط جديدة منها ومستحدثة ، لأن من أهم مظاهر العولمة زوال الحواجز الاقتصادية بين الدول وشيوع النشاط الاقتصادي العابر للحدود الوطنية ما يجعل سوق الجريمة عامة متعولم وخاصة الجريمة الاقتصادية والتي تستفيد من التطورات في مجال التقنيات خاصة والاتصالات عامة . حتى غدت غالبية هذه الجرائم إلكترونية أو فضائية Cyber ، ومرد ذلك هو تحوّل البنى الاجتماعية والاقتصادية إلى عالمية وإلى معلوماتية و إلكترونية ، ظهرت مسميات جديدة لمثل هذه الأبنية مثل الطريق السريع للمعلومات والبناء المعلوماتي العالمي .
إن تطور التقنيات ووسائل الاتصالات قد ساعد على انتشار وعولمة الجريمة وإنتاج جرائم اقتصادية مستحدثة فقد استفادت العصابات الإجرامية من مجالات توظيف التقنيات والاتصالات في النشاط الإجرامي مثل التنصت والاحتيال على المصارف واعتراض بطاقات الائتمان وسرقتها واستخدامها غير المشروع ، والابتزاز والسطو على البنوك إلكترونيًا والتزوير والتزييف ، والتهرب الضريبي والاحتيال بالحاسب ، وسرقة أرقام الهواتف والهواتف المزورة والمقلدة ، وتدمير الحسابات البنكية ، والوصول للمعلومات الأمنية الحساسة وسرقتها وبيعها ، والأسرار التجارية والعسكرية ...إلخ . واستخدام برمجيات التشفير لحماية النشاطات الإجرامية إذن يمكننا القول إن أسباب الجريمة الاقتصادية ، خاصة العصرية أو المستجدة منها ، هو ما يلي :
1. ما شجع على ازدياد كمية وخطورة الجرائم الاقتصادية والمالية ،عملية العولمة الجارية حاليًا وما ينتج عنها من تكامل لأسواق العالم المالية ، مع تضعضع الضوابط والولاءات الاجتماعية.
والعولمة Globalization مصطلح يقصد منه النظر إلى العالم كوحدة واحدة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
2. ازدياد التقدم التكنولوجي.
3. التكامل السريع للاقتصاد العالمي يسر ليس فقط انجاز المعاملات التجارية المشروعة بل ليضاهي انجاز المعاملات غير المشروعة.
وترتكب الجماعات الإجرامية المنظمة جرائم اقتصادية ومالية كبيرة بوسائل منها ، مثلا : الجرائم المتعلقة بالاحتيال باستعمال البطاقات الائتمانية ، وانتحال الشخصية ، والتزوير . وأدى أيضًا انتشار المعاملات المصرفية الالكترونية والنمو السريع للأنترنت إلى إتاحة فرص جديدة للجرائم الاقتصادية والمالية.
ويسلم الآن بأن الاحتيال باستعمال البطاقات الائتمانية أو بطاقات السحب يمثل مشكلة عالمية خطيرة، تنتج مستوى من الأرباح العالمية غير المشروعة أعلى بكثير، مثل: من مستوى الأرباح الناتجة عن تزوير العملات. ووفرت الانترنت أيضًا أداة قوية لارتكاب جريمة الاحتيال ، وذلك بإتاحة الحصول بسهولة على معلومات عن الأفراد والشركات يمكن أن يستغلها المحتالون ، وبتوفر آلية يمكن بواسطتها ارتكاب أنشطة احتيالية متعددة في وقت واحد. ففي حالة الاحتيال المتعلق بدفع الأتعاب مقدمًا ، مثلا، يستعمل الانترنت كمصدر لتحديد الأهداف المحتملة ، ويتيح البريد الالكتروني القدرة على الاتصال بالآلاف من الضحايا المحتملين بالتزامن.
فالجرائم الاقتصادية والمالية تنتج في كثير من الأحيان عائدات غير مشروعة كبيرة يتعين غسلها لإدخالها في النظام المالي المشروع ، وبالتالي تشكل هي نفسها جريمة أصلية هامة ، وليس ذلك فحسب ، بل أن غسل الأموال هو حلقة وصل هامة بين جميع الأنشطة الإجرامية التي تدر أرباحًا غير قانونية كبيرة، من ناحية ، وضرورة غسل تلك الأرباح لإدخالها في النظام المالي المشروع ، من الناحية الأخرى ، يوفر غسل الأموال التدفق النقدي ورأس المال الاستثماري اللازم للجماعات الإجرامية. وهناك سببان رئيسان لالتزام البلدان بتطوير وصول نظام فعال لمكافحة غسل الأموال.
وفي بلدان ومناطق أخرى ، أدى تحرير الأسواق والتقدم التكنولوجي معًا إلى نهضة في قطاع المعاملات المصرفية الالكترونية ، أتاحت أشكالا جديدة من السداد الالكتروني ، (منها السداد عن طريق الانترنت).
ويمكن أن تعود نهضة قطاع المعاملات المصرفية الالكترونية بالفائدة على الجريمة المنظمة ، لأنها تتيح نقل مبالغ هائلة من الأموال بسرعة دون التثبت من الهوية ، وهنا يسهل غسل الأموال. وبالنظر إلى عدم وجود أطراف ثالثة وسيطة (مثل المصارف) ، في نظم السداد على الشبكة العالمية فإن هذه النظم تتيح المزيد من الغفلة عند تحويل الأموال وتخفض تكاليف المعاملات تخفيضًا كبيرًا مما يصّعب تتبع هذه المعاملات ، الأمر الذي سيعزز فرص تمويل الإرهاب والفساد.
إن إساءة استخدام النظام المالي يمكن أن يلحق الضرر بسمعة المؤسسات المالية، محدثًا آثارًا سلبية على ثقة المستثمرين وبالتالي يزيد من ضعف النظام المالي. ولا ينشأ الضرر الاقتصادي من أفعال الجريمة الاقتصادية والمالية المباشرة وحسب بل أيضًا من مجرد وجود تصور بان تلك الأفعال تحدث ، وذلك يؤثر على سمعة النظم المالية ويرد الاستثمار الخارجي . وفي العديد من البلدان أيضًا يؤدي اشتباه الجمهور على نطاق واسع بان الصفوة ترتكب الجرائم الاقتصادية والمالية في القطاعين العام و الخاص إلى تقويض شرعية الحكم . ولذلك تتسم المكافحة الفعالة للجريمة الاقتصادية والمالية بأهمية حاسمة للتنمية المستدامة وبناء المؤسسات.
تتمتع الجرائم الاقتصادية بمجموعة من الخصائص من أهمها :
1- يتطلب التشريع في مجال الجرائم الاقتصادية العلم بكل مشاكل الحياة الاقتصادية وأبعادها المختلفة مما يسهل تحقيق الهدف المنشود للسياسة الاقتصادية.
2- تتجه بعض التشريعات إلى إسناد سلطة التحقيق والحكم في بعض الجرائم الاقتصادية إلى لجان إدارية وليس إلى السلطة المختصة بالتحقيق في الجرائم الجنائية أو المحاكم على أساس أن هذه الجرائم أقرب إلى المخالفات لأوامر السلطة.
3- تتسم معظم الجرائم الاقتصادية بأنها جرائم تقوم لمواجهة حالات طارئة أو ظروف موقوتة بظواهر غير دائمة أو لتغير أسباب منها تغيّر السياسة الاقتصادية من نظام إلى آخر أو التدرج في نفس النظام.
4- الجريمة الاقتصادية جريمة متحركة ، عارضة تقع في زمن محدد وتعاقب بعقوبة محددة وفي ضوء الحالة الاقتصادية التي تعيشها البلاد مهما كان نظامها ، والنص الخاص بها يستنفد غرضه .
5- أن الجرائم الاقتصادية تجري في معظمها على تأثيم الفعل الخطر ، وإن كان لم يحقق ضررًا أو قد لا يحققه ، بل قد يصل بها الأمر إلى حد التأثيم على مجرد مجانية الإجــــراء الوقائي كما هو الحال على سبيل المثـــال في المعاقبـــة على مجــرد عدم
الإعلان عن سعر السلعة المسعرة في حين أن الأصل المستقر في جرائم القانون العام أن التأثيم لا يكون إلا للفعل الضار، وأحيانًا للفعل المنبئ بالضرر.
6- كثيرًا ما تخرج الجرائم الاقتصادية عن بعض القواعد العامة في قانون العقوبات وخاصة في أحكام المسئولية حيث تجري المساءلة أحيانًا عن فعل الغير ، وتقوم مساءلة الشخص الاعتباري ويضعف الاعتداد بالركن المعنوي في الجريمة ويساوي المشرع بين الشروع وأحيانًا المحاولة المجردة عن النية الجرمية والفعل التام.
7- بعض التشريعات العقابية تجرم الفعل الاقتصادي وإن كان المجني عليه راضيًا بما أصابه من ضرر ، كمن يشتري بقصد الاتجار سلعة بسعر يزيد على السعر الذي تعينه لجنة التسعيرة ، ومرد ذلك أن المقصود بتجريم الأفعال المكونة للجرائم الاقتصادية هو حماية الاقتصاد ذاته.
8- ازدواج طبيعة الجريمة الاقتصادية في بعض الأحيان فتشكل المخالفة الجنائية مخالفة إدارية ، كما إذا وقع الفعل المخالف من موظف في الإدارة وكان الفعل مكونًا لجريمة من الجرائم الاقتصادية .
9- إن العديد من الجرائم الاقتصادية ينقضي بالتصالح أو المصالحة مع الإدارة المختصة ولا سيما في القانون الخاص بالجمارك والتهريب الجمركي.
10- العقوبة على الجرائم الاقتصادية تتسم في الأغلب بالقسوة بغية الوقاية ، حتى أنها قد تصل حد الإعدام في بعض البلدان ذات الاقتصاد الموجه بالنسبة إلى بعض الجرائم عندما تقترف عن عمد أو تخلف ضررًا بليغًا أو تجرى على سبيل الاحتراف، كما يضيف في العقوبة مجال التفريد لمصلحة المتهم حيث تحرص معظم النصوص الخاصة بالعقاب على عدم جواز الحكم بوقف تنفيذ العقوبة ، ويخرج نفس قدر ا لعقوبة المقررة أحيانًا عن حده الأقصى المفروض لنوع الجريمة فتتجاوز مثلاً عقوبة الجنحة حد الحبس في الجنح ، كما هو الحال في بعض الجرائم النقدية.
11- لا يعترف الاتجاه الحديث للمتهم في الجريمة الاقتصادية بقاعدة الأثر المباشر للقانون الأصلح ولو كان القانون السابق غير محدد بفترة معينة.
12- إن القوانين الخاصة بالجرائم الاقتصادية ، قوانين قابلة للتغيير السريع وإن كانت المرونة والحركة من مقتضياتها حتى تواجه دائمًا الاحتمالات المضادة للسياسة الاقتصادية ، وهي قوانين لا تحرص دائمًا على الوحدة في سياسة التجريم والعقاب.
13- ومن أبرز خصائص القوانين العائدة للجرائم الاقتصادية النص كثيرًا على التفويض التشريعي ، ومع أن هذا التفويض محدد في القانون العام بحيث لا يرد غالبًا على المخالفات ، وفي غير ما يفرض قيودًا على الحرية الشخصية ، إلا أنه شائع وسائغ في بعض الجرائم الاقتصادية ، كالتشريعات الجمركية ، نظرًا لما يتطلبه التشريع في مجالها من خبرة فنية قد لا تتوافر لدى السلطة المفوضة ، بالإضافة إلى المرونة والسرعة المطلوبين في علاج الظواهر الاقتصادية .
14- بعض الجرائم الاقتصادية تسير وفقًا لأصول المحاكمة والإجراءات في حدود القواعد العامة ، ويخرج عن حدود ذلك البعض الآخر من الجرائم الاقتصادية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف