المصريون
جمال سلطان
دلالات النصر الكبير لأردوغان في انتخابات تركيا
فوز أردوغان منطقي ، فلا يوجد له منافس حقيقي في تركيا ، هو ليس فقط كاريزما شعبية ، ولكنه سياسي يقدم نفسه للشعب في الانتخابات واقفا على هرم من الإنجازات ، لا يبيع كلاما ووعودا ، وإنما يذكرهم بما حققه من طفرات هائلة يرونها بأعينهم في كل شارع وحارة وميدان وقرية ، في كل مستشفى أو مدرسة أو مؤسسة ، في كل مصنع أو بنك أو مكتب حكومي ، في كل محطة قطار أو مترو أنفاق أو باصات تضاهي ما هو في لندن وباريس ، في كل منزل كان يعاني من الحصول على الماء وانقطاع الكهرباء فأصبح يهنأ بمستويات عالية ، في الأمن والأمان الذي كان يغيب عن البلاد بسبب الفوضى والانفلات وارهاب المنظمات الكردية ، في مستويات الحرية والكرامة التي يشعر بها كل مواطن بسيط ويقينه بأنه وحده من يصنع قرار بلاده ويحدد من يحكمها في اعتزاز المواطن بأنه يعيش في دولة مؤسسات تديرها إدارات منتخبة من الشعب من أول البلديات إلى رئاسة الجمهورية وليست شبه دولة يتحكم فيها الجنرالات والعسكر من وراء ستار ويتحول الأحزاب والساسة فيها إلى عرائس وأراجوزات ، وكبار السن من الأتراك بالذات يعرفون الفارق في البلاد قبله وبعده ، بينما كل منافسيه يبيعون كلاما ووعودا ، فضلا عن أن مشروعهم الأساس سلبي ويركز على هدم ما بناه أرودوغان وإسقاط أردوغان ، فالمسألة لها طابع شخصي ومرارات خاصة ، أكثر من برامج تنموية وسياسية محددة المعالم لخدمة المواطن وتطوير البلاد ، كما أن التحريض الغربي واسع النطاق والعنيف للغاية ضد أردوغان والرغبة في إسقاطه ، والتي جعلت كثيرا من الصحف والتليفزيونات ووكالات الأنباء الأوربية والأمريكية تخصص مساحات واسعة يوميا خلال الأسبوع الأخير قبل الانتخابات للهجوم على أردوغان وتشويهه وسبه والتشهير به والدعوة لإسقاطه ، لدرجة أنهم يخصصون مساحات إعلامية ناطقة باللغة التركية ، كل ذلك أتى بنتيجة عكسية ومنحت أردوغان تعاطفا شعبيا ، خاصة بعد ظهوره بمظهر قوي ومتحدي لغطرسة التدخل الغربي في الشأن التركي .
كذلك فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات ، لأنه تمكن من كسر حاجز النصف زائد واحد في البرلمان الجديد ، بفضل تحالفه مع حزب الحركة القومية ، وقد حصل الحزب على 42% من نسبة الأصوات ، وحصل حليفه الحركة القومية على حوالي 11% ، أي أن التحالف حصل على حوالي 53% من مقاعد البرلمان ، وهو ما يتيح له تشكيل الحكومة منفردا ، وبدون شك فإن إدارة الحزب لشئون الحكومة ورئاسة الجمهورية سيحقق التجانس في إدارة شئون الدولة وسيمنحه قدرة أكبر على تحقيق مشروعه التنموي الكبير الذي سجله ونشره أمام الأتراك في ثلاثمائة وستين صفحة ، وهو طموح للغاية على كافة المستويات ، ويهدف لجعل تركيا واحدة من أقوى عشر دول في العالم اقتصاديا وعسكريا وعلميا وتعليميا وصحيا ، كما وعد أردوغان بإنهاء حالة الطوارئ التي أعلنت عقب الانقلاب العسكري الأخير قبل عامين ، وتعزيز الحريات العامة والحفاظ على الديمقراطية ومؤسساتها وسيادة القانون .
التحالفات الانتخابية الأخيرة نجحت في منح كل الأحزاب المشاركة فرصة التواجد في البرلمان الجديد ، حتى تلك الأحزاب التي لم تكسر حاجز 10% من الأصوات الذي يحدده القانون لكي يتمكن الحزب من دخول البرلمان ، لكن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي كسر هذا الحاجز بمفرده ، وهو ما يتيح له التواجد بقوة في البرلمان الجديد ، رغم أن رئيسه محبوس حاليا ، وهي مشاركة أعتقد أنها في صالح السلام الاجتماعي في تركيا ، وتحاصر الحركة الكردية المسلحة "بي كا كا" أو حزب العمال الكردستاني ، وقد وضح في انتخابات الرئاسة أن قطاعا غير قليل من الأكراد صوت لصالح أردوغان وليس لصالح "ديمرطاش" مرشح الأكراد ، لأن ما حققه أردوغان للأكراد ومجتمعاتهم من مكتسبات اقتصاديا وثقافيا وإنسانيا وحقوقيا لم يحدث لهم في تاريخ تركيا الحديث ، ومنذ تأسيس الجمهورية ، فواضح أن الكثيرين من الأكراد صوتوا للعقل والسلام والمصلحة أكثر من التصويت القومي والأيديولوجي .
فاز أردوغان وحزبه ، لكن الحقيقة الأهم أن الديمقراطية في تركيا هي التي فازت وعززت مواقعها وبرهنت على عمق تجذرها في ثقافة المواطن والمؤسسات وأجهزة الدولة ، كما أن تركيا ـ الدولة والشعب ـ حققوا انتصارا كبيرا ، وفرضوا صورتهم في العالم ، كدولة مؤسسات كبيرة حديثة ديمقراطية ، وشعب واع ومسيس حتى النخاع ، ونظام سياسي وانتخابي عالي الشفافية والنزاهة ، كما أن الانتخابات بالنتيجة التي انتهت إليها ستمنح تركيا خمس سنوات مقبلة من الاستقرار السياسي الذي يتيح لها أن تخطو المزيد من الخطوات نحو النهوض وآفاق واعدة من النمو والازدهار .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف