د.أحمد سيد أحمد
أزمة المهاجرين تكشف ازدواجية الغرب
جسدت أزمة اللاجئين والمهاجرين والنازحين والذين تجاوز عددهم الـ 86 مليون شخص هذا العام ازدواجية الغرب فى التعاطى مع تلك القضية والتى برزت فى القمة الأوروبية المصغرة التى عقدت مؤخرا ببلجيكا, وفشلت فيها أوروبا فى التوصل إلى صيغة توافقية لحل هذه المشكلة التى تمثل نقطة سوداء فى تاريخ البشرية. فمن ناحية ينظر الغرب إلى هؤلاء المهاجرين واللاجئين وكأنهم مجرمون ومذنبون وجاءوا إلى الدول الأوروبية لتزاحم فرص العمل مع سكانها، وتهديد هويتهم الاجتماعية وتركيبتهم الديمغرافية, و ومن ناحية أخرى ساهم المنهج الغربى فى تفاقم هذه المشكلة والاتجاه نحو الحلول الخطأ والقائمة بالأساس على سياسة غلق الأبواب أمام هؤلاء وطرد وإعادة الذين دخلوا إلى الدول الأوروبية وأمريكا, فى مقاربة تنزع الغطاء الغربى الذى يدعى تقديم نموذج التعايش والتسامح فى إطار نظام ديمقراطى, وأصبح المهاجرون ورقة للمزايدة بين الحركات والأحزاب السياسية واليمين المتطرف فى إطار اللعبة الانتخابية للوصول إلى السلطة, كما اصبحت قضية الهجرة تمثل تحديا وشرخا فى جدار الاتحاد الأوروبى بعدما تحولت لحالة من الصراع والتنابذ بين قادتها وصل إلى حد تبادل الاتهامات بين فرنسا وإيطاليا حول من المسئول عن استقبال المهاجرين.
المنهج الغربى, خاصة الأوروبى والأمريكى فى التعامل مع قضية الهجرة كشفت ازدواجية الغرب من عدة أمور:
أولا: هؤلاء النازحون والمهاجرون ليسوا مجرمين وإنما هم ضحايا الظروف والأوضاع التى دفعتهم لترك بلدانهم هروبا من جحيم الحروب والصراعات المنتشرة فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، إضافة إلى بيئة الفقر وغياب التنمية، عبر المجازفة بأرواحهم نتيجة لمراكب الموت وغرق الآلاف فى البحر، ومن ينجو منهم يوضع فى أقفاص ومخيمات تفتقد إلى الحد الأدنى من الآدمية والكرامة الإنسانية التى تضمنها الاتفاقيات الدولية والقانون الدولى الإنسانى. فمشاهد فصل الأطفال عن آبائهم على الحدود بين أمريكا والمكسيك ووضعهم فى حاويات وغرف مزدحمة تحت محطات القطار فى بعض الدول الأوروبية، وإطلاق النار عليهم وإعادة ترحيلهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية، كلها تعكس أزمة الضمير الغربى وخطابه المزدوج.
ثانيا: ساهم الغرب بشكل كبير فى إنشاء البيئة التى دفعت هؤلاء للفرار وهى الحروب الأهلية المستعرة فى بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا, نتيجة للتدخل الدولى والإقليمى وتغذية حالة الاستقطاب بين أطراف الأزمة لخدمة أجندات هذه الدول بالأساس وهو ما زاد من تعقيد تلك الصراعات والحروب وكان من نتيجتها هجرة ونزوح الملايين, كما هو فى الحالة السورية التى أدت لهجرة ستة ملايين شخص، وكذلك فى العراق ونزوح الملايين, وفى اليمن نزح أكثر من ثلاثة ملايين شخص نتيجة للحرب الأهلية التى غذتها إيران عبر دعمها لميليشيا الحوثى الانقلابية لخدمة الأجندة الطائفية الإيرانية فى إنشاء وكلاء لها فى المنطقة, وساهم التراخى الغربى فى مواجهة تلك الميليشيات وتوظيف التنظيمات الإرهابية كداعش وجبهة النصرة وغيرها، وغياب الجدية فى التوصل لحلول سياسية شاملة, إلى استمرار تلك المأساة وتفاقمها.
ثالثا: مشكلة الهجرة سياسية وليست اقتصادية, فسكان القارة الأوروبية يتجاوز عددهم أكثر من نصف مليار نسمة وتعانى من الشيخوخة, وبالتالى فإن وجود بضعة ملايين من المهاجرين واللاجئين لا يمثل تهديدا اقتصاديا كبيرا لها، خاصة أن غالبية المهاجرين من الشباب وذوى المهارات الخاصة الذين يمكن توظيفهم, كما فعلت ألمانيا التى استقبلتهم بالورود ليس من زاوية التعاطف الإنسانى، وإنما لاعتبارات اقتصادية بحتة فى ظل قوة الاقتصاد الألمانى وتراجع معدلات البطالة. وفى المقابل هناك بعض الدول مثل الأردن ولبنان وباكستان تستضيف ملايين اللاجئين بما لا يتناسب مع عدد سكانها المحدود، ولم تشكل قضية اللاجئين هذا الهاجس والتضخيم الكبير الذى يميز الموقف الغربى، كما أن دولا مثل مصر والسعودية رفضتا فكرة إقامة مخيمات للاجئين واحتجازهم فيها كما فعلت الدول الأخرى, بل سمحت لهم بحرية الحركة ويتمتعون فيها بكافة الحقوق باعتبارهم ضيوفا مع العمل على مساعدتهم لتجاوز هذه المحنة.
رابعا: ارتكز الموقف الغربى على أسلوب المسكنات والمعالجة الجزئية لمشكلة الهجرة واللاجئين, ما بين غلق الأبواب وطردهم وتقديم المساعدات المالية البسيطة للدول المصدرة للهجرة ودول المرور, كما فعلت مع ليبيا وتونس والنيجر ومالى وتشاد وغيرها, لكنها لم تفلح فى وقف تيار الهجرة, ولم تعتمد على منهج شامل ومتكامل يرتكز على المساعدة فى تسوية الصراعات فى تلك الدول ومساعدتها اقتصاديا لتحقيق التنمية الحقيقية التى تسهم فى توفير فرص العمل, كذلك مساعدة دول المرور المطلة على البحر مثل ليبيا فى تسوية مشكلتها وإعادة بناء مؤسسات الدولة الأمنية لتكون قادرة على بسط سيطرتها على حدودها البحرية لمنع تسلل المهاجرين.
مشكلة المهاجرين واللاجئين والنازحين أضحت تمثل أحد المصادر غير التقليدية لتهديد السلم والأمن الدوليين بعد أن تجاوز ضحاياها عشرات الملايين وموت الآلاف منهم, وتقتضى معالجة دولية متكاملة خاصة من جانب مجلس الأمن الدولى فى التوصل إلى اتفاقية شاملة بشأن الهجرة وتوفير الضمانات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء, مع العمل الجماعى لمعالجة تلك المشكلة من جذورها سياسيا واقتصاديا وتنمويا , بدلا من ازدواجية المواقف الغربية والتى ساهمت بشكل أساسى فى تفاقمها.