الأهرام
عبد الفتاح الجبالى
القطاع الخاص والحماية الاجتماعية
لا يختلف اثنان حول أن الإصلاحات الاقتصادية المنفذة الآن فى سياق السياسة الاقتصادية سوف تنعكس بالسلب على الشرائح الاجتماعية المختلفة، وبالتالى فقد أحسنت الحكومة صنعا حينما صممت العديد من الإجراءات الحمائية مثل زيادة الأجور للعاملين بها وكذلك زيادة المعاشات ورفع قيمة الاعفاء الضريبى وغيرها، وهى إجراءات ضرورية وان كنا نرى ضرورة استكمالها عن طريق تلافى السلبيات بها، فمثلا يجب السعى على ألا يقل معاش تكافل وكرامة عن خط الفقر الذى يتم تحديده وفقا لبحث الدخل والانفاق الذى يجريه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء مع تحديثه ليتناسب مع معدلات التضخم، وكذلك ينبغى إعادة النظر فى قرار وزير التموين رقم 178 لسنة 2017 الخاص بقواعد البطاقات التموينية وربطه بخصائص الفقراء، وأيضا من الأمور الضرورية التى يجب العمل عليها هى توسيع الشرائح الضريبية، واضافة شريحة جديدة لمن يزيد دخله على مليون جنيه لتصبح 25% وغيرها من الإجراءات التى تساعد على تهدئة وطأة عبء الإصلاح على الشرائح الفقيرة فاختيار سياسة اقتصادية معينة لا تعد عملا فنيا محايدا على الاطلاق، وذلك لان كل سياسة تنطلق من رؤية معينة ومصالح محددة ويترتب عليها نتائج مختلفة لفئات المجتمع. لهذا أصبح هناك مطلب عام بضرورة استعادة الجانب الأخلاقى فى الفكر الاقتصادي، بما يؤدى الى ان تركز عملية صنع السياسات الاقتصادية على المصلحة العامة، بوصفها قيدا أساسيا على آلية السوق، وهو ما يعنى السماح للجميع بإطلاق قدراتهم مع ضمان توجيه هذه القدرات نحو اهداف مشتركة متفق عليها فى اطار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

من هنا هناك دور مهم وحيوى يقع على كاهل القطاع الخاص المصرى خاصة خلال المرحلة الراهنة، والتى تمر بها البلاد بمرحلة غاية فى الخطورة، وتطلب مشاركة فعالة وقوية لهذا القطاع إذا أراد ان يكون شريكا حقيقيا وفاعلا فى العملية التنموية بالبلاد. ويتمحور هذا الدور أساسا فى الإيجابية والجدية فى التعامل مع برامج الحماية الاجتماعية، يأتى على رأسها ضرورة إقرار علاوة فورية للعاملين بهذا القطاع لا تقل عما قررته الحكومة للعاملين بها خاصة وان القطاع الخاص المنظم يستحوذ على نسبة 31٫3% من اجمالى المشتغلين مقابل 21٫2% فقط لدى الحكومة والقطاع العام بينما القطاع غير المنظم يستحوذ على 1٫46% وبعبارة اخرى فان اى سياسة لتحسين الاجور والدخول يجب ان تشمل المجتمع ككل ولا تقتصر على فئة دون اخرى اذ مازالت سياسات الأجور لدى القطاع الحكومى والعام، أفضل بكثير من السائدة لدى القطاع الخاص، وخير دليل على ذلك قيام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور والذى وصل الى 1200 جنيه شهريا لدى القطاعات المنطوية تحت الموازنة العامة للدولة والهيئات الاقتصادية، ولكنها لم تتمكن من تطبيقها على القطاع الخاص، ناهيك عن عدم الالتزام بقوانين العمل وتنظيماته وتوفير التأمين للعاملين ضد الصدمات. ونجد ان إجمالى قيمة الأجور المدفوعة فى الاقتصاد المصرى تشكّل نحو 31% من الناتج المحلى الإجمالي، وهو ما يمثّل خللاً هيكلياً فى «التوزيع الأوّلى» للدخل لصالح أصحاب الأعمال ورءوس الأموال والأصول (الأرباح والفوائد والريع) ولغير صالح العمال (الأجور)، علماً بأن هذه النسبة تصل إلى نحو 60% مثلاً فى البلدان المتقدمة وهى المسألة التى لم تحظ بالاهتمام حتى الآن خاصة وعلى الرغم من ان قانون العمل الحالى رقم (12) لسنة 2003 انيط به تنظيم هذه المسألة لأنه هو القانون العام الذى يحكم علاقات العمل فى المجتمع، وفقا لما جاء فى المادة الثالثة منه. حيث يطبق على جميع العاملين فى المجتمع باستثناء العاملين بأجهزة الدولة، كما أفرد القانون المذكور الباب الثالث بأكمله للحديث عن الأجور فأشارت المادة (34) الى المجلس القومى للأجور والذى أنيط به وفقا لهذه المادة وضع الحد الأدنى للأجور على المستوى القومي. وكذلك وضع الحد الأدنى للعلاوات السنوية الدورية بما لا يقل عن 7 % من الأجر الأساسي. مع تحديد هيكل الأجور لمختلف المهن والقطاعات والأنشطة بالدولة لتحقيق التوازن المطلوب فى توزيع الدخل القومي، الا ان ذلك لم يتم حتى الآن للعديد من الاسباب يأتى على رأسها الأزمة الاقتصادية التى مرت بها البلاد على مدى السنوات السابقة وغيرها من الأمور ولكن الآن وبعد ان استقرت الأوضاع فقد أصبحت الحاجة ملحة الى ضرورة تفعيل دور المجلس فى كل هذه الامور حتى يحظى العاملون بالقطاع الخاص بنفس المزايا التى يحظى بها العاملون فى القطاع الحكومى.

ثانيا: من المهم ان تتولى منظمات القطاع الخاص ونقصد بها تحديدا اتحاد الصناعات والغرف التجارية وجمعيات المستثمرين بالعمل جنبا الى جنب مع أجهزة الدولة، على ضبط الأسواق والحيلولة دون رفع الأسعار والاستغلال، اذ ان هناك خطأ شائعا فى المجتمع يرى ان اقتصاد السوق يعنى الحرية المطلقة لأصحاب الاعمال والتجار وغيرهما من اللاعبين الأساسيين فى فرض سطوتهم على الأسواق، والتحكم فى الأسعار، وهو غير صحيح على الإطلاق اذ ان المفهوم الصحيح لاقتصاد السوق يشير ببساطة الى تفاعل قوى العرض والطلب فى إطار مؤسسى وقانونى سليم يضمن عمل الأسواق بطريقة صحيحة، وهو ما يتطلب وجود إطار مؤسسى قوى ينظم هذه العملية. وكما ذكر احد تقارير البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة وبحق «انه إذا كان هناك انتصار للرأسمالية فليس هناك ما يستدعى الجشع الشخصى»، وقد جاءت هذه التصريحات وغيرها بعد اتضاح الآثار السلبية التى نجمت من تطبيق هذا المسار، اى الرأسمالية المنفلتة، وهو ما تكفل به العديد من الاقتصاديين المرموقين وعلى رأسهم «ستجليتز» كبير الاقتصاديين بالبنك الدولى سابقا، وكذلك بول كروجمان وغيرهما من أعمدة الفكر الرأسمالي، وذلك حين اصطدموا بالنتائج السلبية التى برزت من خلال السير فى هذا النهج، خاصة فيما يتعلق بالنمو غير المتوازن وعدم المساواة مع تزايد حدة الفقر وارتفاع التضخم او على الاقل عدم القدرة على التصدى لهذه المشكلات. وهذه المسألة من الأهمية بمكان، ويجب ان تحظى بالاهتمام من جانب المهتمين، مع تأكيد ضرورة ان يكون النمو متوازنا وقادرا على توليد وظائف وخدمات كافية تسمح للجميع بالعيش فى امن وكرامة وبالتالى يجب ان تعود بالنفع على جميع شرائح المجتمع.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف