الوطن
أحمد رفعت
رصاص عادل إمام!
قبل أقل من تسعة أعوام على الانفتاح الاقتصادى أطلق عادل إمام رصاصاته الأولى فى مواجهة الفساد المدخل الأساسى للتآمر على مصر فى فيلميه الشهيرين الناجحين مع نجمتين كبيرتين.. «حب فى الزنزانة» مع سعاد حسنى و«الغول» مع نيللى، وبعدها بعام يطلق طلقتين أخريين فى «أنا اللى قتلت الحنش» و«حتى لا يطير الدخان» ثم يمر عقد كامل من الزمان ليعود وقد نضج الفساد على نار هادئة وبدت تداعياته على المجتمع كله ليطلق عادل إمام قذائفه من جديد فى «الإرهابى»، «المنسى»، «اللعب مع الكبار»، «الإرهاب والكباب»، ولأنه شعر أنه يحرث فى البحر ولا شىء يتغير قرر أن تكون صرخته صريحة مدوية مباشرة فى «رسالة إلى الوالى»، ليعود بعد عقدين كاملين وقد أضحت المؤامرة على مصرنا جلية لا لبس فيها كاملة الأركان.. فقرر أن تكون المواجهة شاملة وكاملة أيضاً!

هذه المرة طلقات عادل إمام وصرخته صريحة وعلنية ومباشرة.. فلا وقت عنده ولا عندنا لإسقاط واستخدام الرمز أو الرسائل الخفية أو المشفرة.. آن الأوان لحل رموز السرى وفك المشفر ومواجهته كله وفى الحال ومن الجميع..

طلقات عادل إمام ورصاصه فى 2018 تختلف عن رصاصه وطلقاته السابقة.. ليس فقط لتزايد تحديات المجتمع وتطور جرائمه بسبب التكنولوجيا.. لكن أيضاً لتغير ردود فعل المجرمين وتبدل مواقعهم الفترة الأخيرة.. الشىء الذى لم يتغير هو عقلية الفاسد والمجرم الأنانية الباطشة التى لا تشبع من الأموال ولا من الدماء!

قال عادل إمام: الفساد أكبر وأخطر شبكة فى مصر والفساد كأنابيب المجارى يتصل ببعضه وهو كله يديره فى الظل وخلف الستار جهة واحدة تريد الدمار والخراب لهذا البلد، وهى المسئولة عن كل شىء فاسد معنا وحولنا.

الفن الهابط والدراما المبتذلة والطعام الفاسد وأطفال الشوارع والتسول والأعمال المنافية والسرقة والرشوة واللصوصية واستغلال النفوذ والإعلام المضلل والفاشل والفاسد والاختراق الحاصل لوسائل الإعلام والصحافة وبيع الضمائر وخراب الذمم والتلاعب فى المال العام والتعدى عليه والاستهانة به وشراء الأسماء الكبيرة واستغلالها كله يرتبط بشبكة واحدة أثمرت فى الأخير وبشكل تلقائى ومنطقى انحلالاً أخلاقياً وتفسخاً أسرياً وتشتتاً عائلياً وانهماكاً فى جمع المال وبسط النفوذ والبحث عن محاولات غير شريفة للصعود الاجتماعى حتى لو كانت على حساب الآخرين بل حتى لو كان الآخرون أقرب الناس..!!

أثمر الفساد عن القسوة ليس فى التعامل مع الأبناء والأهل والزملاء بل وقسوة فى السلوك العام، ما أدى إلى تغير شكل الجريمة حتى صار بعض المدرسين فاسدين.. بعض الضباط منحرفين.. متنفذون فى مواقع مهمة للمسئولية أتوا بغير الطريق السليم لاختيار الموظف العام، والنتيجة الإجمالية لكل ذلك هو ما نعانيه اليوم، ورغم أنه كفيل كله بتدمير أمم بكاملها إلا أنه لا يمر فى مصرنا بغير مواجهة ومواجهة عنيفة حتى يتعثر ولم يتبق إلا هزيمته وهى ممكنة ومقبلة.. هكذا قال عادل إمام.. وهكذا نقول!

بين صفحات هذه الصحيفة «الوطن» الغراء وعقب محاضرة ألقيناها فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية عن «مخطط إفشال الدولة» تحدثنا بشكل شبه تفصيلى عن المؤامرة على مصر كاملة.. لذا لم يخترع عادل إمام الفساد ولا صوره ولا أشكاله ولا أدواته.. إنما أجمل ما فعله هو وضع الفساد على الشاشة وأمام الناس عبر شخوص حية طبيعية تتكلم وتتحرك وتسرق وتقتل وتضحك ضحكاتها الشريرة.. وهو يعلم أن بعد قليل سيتوحد المشاهد مع الأبطال.. قليلون جداً جداً إلى حد الندرة سيرون أنفسهم فى صفوف الأشرار والباقى كله فى صفوف المواجهة.. لا نريد من يتحدث فقط عن الفساد إنما نريد جنوداً مقاتلين ضده.. وهكذا دور الفن.. وهكذا دور الفنان!

أصاب عادل إمام أهدافاً أخرى غير رؤوس الفساد.. هذه المرة الأهداف شخصية.. وهذه المرة يمنح فرصة العمر لكتاب شباب.. صحيح أخذوها ونجحوا من قبل مع نجوم كبار آخرين لكنها هذه المرة مع نجم النجوم.. والعمل معه بعشرة أعمال على الأقل مع غيره.. صحيح كان الابن المخرج المهذب المبدع رامى إمام الواسطة والوسيط.. لكنه وافق وجلس واستمع وتحاور وتناقش وأضاف وأزال واستقروا جميعاً فى الأخير على العمل الذى نتحدث عنه.. وهكذا تحول المسلسل الرمضانى لعادل إمام فى منح الفرص للشباب خلف الشاشة وأمامها.. وكثيرون يفهمون معنى الفرصة ويطورونها ونراهم فيما بعد على طريق النجومية والبطولة، ومنهم من لا يقدر ما جرى.. فلا يرى الفرصة مرة أخرى.. ولا نراه مرة أخرى!

عادل إمام وفى لفتات الكبار يصطحب معه فى عمله هادى الجيار الشريك المهم فى الانطلاقة الكبرى فى «مدرسة المشاغبين» ويمنح لابنة الملك فريد شوقى دوراً رائعاً أدته باقتدار بالغ وبليغ النجمة رانيا فريد شوقى.. ويسترجع من الغياب أسامة عباس ويقتسم الحضور تقريباً مع النجم فتحى عبدالوهاب، الذى أعاد اكتشاف نفسه وموهبته الجبارة ويستمتع ككل رمضان بوجود النجم الكبير ياسر على ماهر، الذى يعطى العمل الفنى بعداً مهماً، بينما أجادت بشرى كما لم تجد من قبل، وهكذا فعل صلاح عبدالله، وهو الوحيد الذى يؤدى أداء نمطياً لكنه يوظف النمطية فى اتجاهها الصحيح حتى لا نشعر إلا بأداء رفيع.. ويستضيف نجمنا الكبير فاروق الفيشاوى ويقتل أى شائعات عن أى خلافات بينه وبين الفيشاوى أو غيره، ويختتم عمله بتميمة حظه فى أهم أعماله السينمائية.. يسرا!

عادل إمام لم يتفاءل فقط فى ختام مسلسله.. إنما قال فى كل حلقاته إن الأمن والإعلام معاً فى معركة واحدة لا يستفيد من أى مشاكل بينهما إلا الفساد نفسه! العمل هو حاصل جمع عادل إمام.. وملخص لمشواره الطويل.. المجيد! ونبقى فى انتظاره رمضان المقبل.. ورصاص آخر متدفق فى الاتجاه الصحيح!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف