يوسف القعيد
يحدث في مصر الآن .. بطولـة شـعب
غداً الثلاثون من يونيو، أتمني أن نحتفل بالمناسبة بما تستحق، وأن ننظر إليها في سياقها التاريخي، يوم عبقري. ومثلما نحت لنا جمال حمدان تعبير عبقرية المكان، عند كلامه عن مصر. فأنا أستعير جزءاً من أبجديته. وأقول عبقرية الزمان. فليست كل الأيام متساوية. ولكن هناك أياما فيها أريج العبقرية. وهذا ما يميز يوما عن يوم.
علماء التاريخ وأساتذة الحضارة يكتبون، أن الشعب المصري هو الذي علَّم الدنيا فكرة الأبدية. وأن الأهرامات التي كانت تشكل واحدة من معجزات الدنيا السبع. إنما بُنيت لتواجه النسيان. وتقاوم الفناء. وتظل تقول إلي الأبد: هنا كانت حضارة المصريين في قديم الزمان وسالف العصر والأوان.
لذلك تجدنا نحن أهل مصر عندما نصحو صباحاً قد لا نفكر فيما ينتظرنا في هذا اليوم أو ذاك. بقدر ما يلقي كل منا نظرة علي ما مضي. سواء كان قريباً أو بعيداً. أو موغلاً في القدم. محاولة منه للاستفادة مما كان. ولكي يأخذ منه زاداً وزواداً لمواجهة واقعه والتعامل مع ما هو كائن وما قد تأتي به الأيام والليالي. ومحاولة معرفة ما قد يخبئه له الزمن مستقبلاً.
أنظر ورائي بفخر واعتزاز أتمثل ما جري. وكلنا عشناه يوماً بيوم، ولحظة بلحظة. والبعض منا ربما يحتفظ بيوميات لما مر به من أحداث عظام، لولاها ما كنا نعيش الحياة التي نحياها الآن. من الصعب أن ننسب هذا المنجز إلا للشعب المصري، لأن الشعب المصري في لحظات التاريخ الكبري تنطبق عليه العبارة التي وصلتنا من مصر القديمة:
- عندما يصير الكل في واحد.
ما جري كان بطولتنا جميعاً. إنها بطولة الشعب المصري، الذي مثله جيش مصر العظيم. جيش الشعب. جيش المصريين. ابتداء من المجند، مروراً بكل الرتب، رتب الجنود والصف ضباط والضباط، وصولاً إلي القائد العام. والقائد الأعلي. كلهم أبناء هذا الشعب. خرجوا من صفوفه وجرت في عروقهم دماؤه. وشربوا من نيله. الدقة تدفعني للقول: جيش شعب مصر. كل المصريين. جميع المصريين.
إن الطفل الذي ولد في هذا اليوم وقت الحدث الكبير، عمره الآن خمس سنوات. وهو يستعد لكي يستمع من كل منا للحكاية. ماذا جري بالضبط؟ وماذا حدث؟ قبل أن نقول له إنه كان علي موعد مع القدر، لابد أن يكون لدينا ما نحكيه له عن الحدث العظيم الذي عشناه جميعاً.
الكلام عن 30/6 يجعلنا نبدأ من ثورات مصر القديمة. وأحمد عرابي، والثالث والعشرين من يونيو 1952، والخامس والعشرين من يناير، إنه سلسال الثورات، بوجدان المصريين.