المساء
ايمن عبد الجواد
باختصـــار درس "باقي"
هناك أشخاص لايتكررون كثيراً في حياتنا ونظل نذكرهم دائماً بالفخر والاعتزاز. من هؤلاء اللواء مهندس باقي زكي يوسف الذي رحل عن عالمنا الأسبوع الماضي وشاء قدره أن يرتبط اسمه بأهم انتصارات مصر.
الأجيال الجديدة ربما لاتعرف من هو الراحل أو أهمية الدور الذي لعبه لعبور قواتنا قناة السويس واستعادة أرضنا ومعها عزنا وكرامتنا. في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد من موقف غربي منحاز للأعداء علي طول الخط.. الي اتفاق أمريكي روسي علي أن القنبلة الذرية نفسها لايمكنها تدمير"خط بارليف" الساتر الترابي الأكثر تحصيناً وتسليحاً في التاريخ.
الفكرة التي طرأت علي ذهن "اللواء باقي" الضابط الشاب آنذاك والذي كان يشغل منصب رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميداني لم تكن معروفة في الحروب. لذلك كان عليه اقناع قياداته الأعلي رتبة وهو الأمر الذي تحقق بالفعل لتبدأ مرحلة استيراد المعدات والمضخات المطلوبة لتدمير خط بارليف بطريقة ضخ المياه.. تلك الفكرة العبقرية التي لم تطرأ علي ذهن أحد من الأصدقاء أو الأعداء علي حد سواء.
ولأن العدو يرصد كل شيء يخص مصر في هذه المرحلة فقد كان لابد من التمويه والخداع ضمن خطة أكبر وأشمل تسمي خطة الخداع الاستراتيجي والتي سطر خلالها رجال مخابراتنا ملحمة لاتقل أهمية عما سطره أبطالنا في ميدان المعارك من بطولات توجت بانتصار كبير واستعادة أرضنا المحتلة.
هذه القصة ليست حكاية للتسلية بل تمثل درساً مهماً نحتاج اليه في هذه الأيام فهي الي جانب أنها تعطينا الثقة في النفس بأننا قادرون علي قهر الظروف الصعبة ومواجهة التحديات مهما كانت صعوبتها. فإنها في ذات الوقت تمنحنا الأمل في مواجهة أي مخططات تحاك لنا. فما أشبه الليلة بالبارحة وما حدث في الماضي ــ القريب والبعيد ــ يؤكد أن مصر أكبر من أي مؤامرات.
الغرب الذي حرص علي منح شيك علي بياض لأعدائنا لتظل المعادلة تميل اليهم سواء من حيث التسليح أو المعلومات هم أنفسهم من يتآمرون علينا في كل مكان وزمان. ومثلما قهرنا المستحيل في حرب 73 سنقهر أيضاً كل مايحاك لنا من مخططات للسيطرة علي قرارنا وتقسيم وطننا الكبير.
وتعلمنا القصة أيضاً أهمية استيعاب الأفكار الخلاقة المبدعة والبحث عن حلول غير نمطية خارج الصندوق لمواجهة مشاكل وأزمات المجتمع. فلو أن القيادة الأكبر رفضت مشروع الضابط الصغير آنذاك أو لم تتحدث عنه مع القيادة الأعلي خاصة وأنه غريب ــ كما ذكرت ــ ولم يكن معروفاً أو مألوفا لو حدث هذا لما سمع أحد عن تلك الفكرة التي غيرت من التكتيك العسكري وسجلته كبريات المعاهد العسكرية في العالم فيما بعد.
ولو كان الضابط الأكبر تعامل بمنطق الموظفين الذين لايسمحون للصغار أن يتحدثوا أو حتي يتنفسوا مثلما يحدث في الكثير من مصالحنا الحكومية لما تجرأ "باقي" علي طرح الفكرة من الأساس.. لكن الذي حدث غير ذلك. فالخبر وصل لأكبر قيادة عسكرية وسياسية في أسرع وقت ليبدأ الجميع في وضع المشروع موضع التنفيذ.
پ أهم درس نتعلمه من قصة اللواء الراحل باقي زكي يوسف أن نتعامل بأمانة واحتواء مع أفكار الشباب ولانتقاعس في وضعها أمام أصحاب القرار فرب فكرة تساهم في حل مشكلة قد يراها البعض بلا حل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف