جمال سلطان
أسرار ما جرى في 3 يوليو 2013
تحل علينا غدا الذكرى السنوية الخامسة لأحداث 30 يونيه 2013 المثيرة للجدل الذي لا ينتهي حتى الآن ، وأعتقد أنه سيظل لسنوات طويلة مقبلة ، نظرا لحجم ما حدث وضخامته وأيضا لتأثيره الحاسم في مجريات الأمور في مصر والمنطقة العربية ، ولكن يبدو أن بعض هذا الجدل مرتبط بالغموض المحيط بالأحداث في الأسبوع الأخير أو الأسابيع الأخيرة قبل إطاحة حكم الدكتور محمد مرسي وجماعة الإخوان ، ولأن أحدا من أطراف الأزمة لا يتكلم ، ولا يكشف ، وهناك إصرار غريب من الطرفين الرئيسين في الأحداث ، السيسي والإخوان ، على عدم الكلام ، وعدم تقديم رواية كاملة عن وقائع ما جرى ، ربما بعض التلميحات والهجوم وربما الشتائم ، لكن المعلومة نفسها غائبة ، سيناريو ما حدث بالضبط غير معروف ، حوارات الغرف المغلقة ، من قابل من ، من هدد من ، ماذا عرض كل طرف على الآخر ، النتائج فقط التي عرفناها ، والكلام الرسمي الناعم ، سواء من الدكتور مرسي في خطبه التي تغزل فيها في الجيش وقياداته ودعوته للحفاظ عليه ، حتى آخر خطاب رسمي أذاعه قبل يوم من عزله ، أو من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يكتفي بتحميل الجماعة وقياداتها مسئولية ما حدث وأنهم رفضوا كل الحلول التي طرحت عليهم وأنه كان مضطرا للتدخل بالجيش لمنع حمام دم كما يقول ، دون أن يوضح أي تفاصيل .
تحولت أحداث الأسبوع الأخير قبل إطاحة مرسي إلى لغز كبير ، وسر وضع في بئر عميق ، وأنا أفهم أن لا يضطر السيسي للكلام ، فهو الطرف المنتصر ، ولا حاجة له لكي يشرح ولا أن يبرر ولا أن يفسر ، هو الذي خطط بدهاء ولاعب الجماعة وكوادرها ومكتب الإرشاد جيدا ، ولعب على طموحها وشهوتها للحكم وعواطفها التي تفجرت للسلطة بعد حرمان ثمانين عاما ، واستوعب عقل الجماعة وقياداتها جيدا ، وحدد خطواته بشكل شديد الدقة ، وأثبتت الأحداث والنتائج أيضا أنه كان الأفضل في "اللعبة" والأبعد نظرا والأكثر واقعية ، والأذكى في مواجهة لم تكن تقبل القسمة على اثنين ، وكلا طرفيها يعلم في قرارة نفسه أنها لا تقبل القسمة على اثنين ، وأن أحدهما سيأكل الآخر حتما ، بعد فترة انتقالية يستعين به فيها للتمهيد للخطوة الحامسة ويمهد الأرض ـ كل الأرض ـ لحسم كل شيء .
أفهم أن السيسي لا يريد الكلام ، فهو ليس مضطرا للكلام ، ولا للشرح ، فقد دانت له السلطة ، وخضع الجميع داخل مصر ، أحزابا ومؤسسات ورموزا سياسية وغيرها ، وقبل المجتمع الدولي بشرعيته السياسية كحاكم قوي لمصر ، فلماذا يضيع وقته في الشرح والتفسير والتبرير لما جرى ، ولكني لا أفهم صمت جماعة الإخوان ، لماذا تتحاشى ذكر ما جرى ، لماذا ترفض حتى الآن كشف كل الأوراق ، طالما أنها ترى أنها ضحية ، وأنها كانت تدافع عن ثورة يناير وعن الشعب وحقوق الشعب وعن الديمقراطية والمؤسسات ، أليس من حق الضحية أن تحكي للناس تفاصيل ما جرى ، وكيف انتهى الأمر بها إلى أن تكون ضحية ، ودع عنك حق الشعب المصري نفسه في المعرفة ، إن كانت الجماعة تحترم الشعب ، وتقدر وجوده أصلا ، لماذا تلتزم الجماعة بالصمت حتى الآن ، لقد أباح الله تعالى للمظلوم أن يجهر بشكواه وبالسوء أيضا ، فلماذا لا يجهر الإخوان بما يرونه حقائق ما جرى ، يقولون أنهم مظلومون وأنهم ضحية ، حسنا ، دعونا نعرف كيف ظلمتم ، وكيف انتهيتم ضحايا ، وإذا حكى أحد طرفا مما حدث يبادر ألف صوت منهم لتكذيبه ، وأن الحقيقة ليست كذلك ، حسنا ، الحقيقة ليست كذلك ، قولوا أنتم لنا الحقيقة ، لماذا تخفونها إذن .
هناك الآلاف من كوادر الإخوان المسلمين في السجون الآن ، هذا صحيح ، ومرسي نفسه معزول عن العالم ، هذا صحيح أيضا ، ولكن الصحيح أيضا أن هناك آلاف الكوادر الإخوانية الرفيعة موجودة خارج مصر ، ولهم حضورهم السياسي ومنابرهم الإعلامية ، وكثير منهم كانوا من مستشاري مرسي ورجال القصر الجمهوري ووزراء وأعضاء مكتب إرشاد الجماعة أيضا ، فإذا كان من في السجون ممنوعين من الكلام ، فلماذا يسكت هؤلاء في الخارج ، لماذا لا يكشفون كل الأوراق ، لماذا لا يحكون ما جرى ، لماذا لا يسردون يوميات الأسبوع الحاسم بعد بيان المجلس العسكري الأول في 23 يونيه 2013 .
الأمر المؤكد أن هناك ما يحرج الجماعة في تلك الواقعة ، لو تمت روايته وعفه الشعب المصري ، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس ، وأن إدارة الجماعة للصراع السياسي في ذلك الوقت فيه من العار ما لا يحبون ذكره ولا إذاعته ولا الاعتراف به ، لأن تكاليف وأعباء تقديم نفسك كضحية ولو ساذج ، أقل من تكاليف أن تكشف عن أنك كنت تخوض صفقات الغرف المغلقة من وراء ظهر الشعب والأحزاب والمؤسسات والقوى السياسية حتى تلك التي كانت متحالفة معك ودمها دمك .
كما أن اللغز الأكبر في تلك "العملية" والذي لن يجيب عنه الإخوان أبدا في ربع القرن المقبل على الأقل ، هو تلك الثقة التامة التي كانت تربطهم باللواء عبد الفتاح السيسي ، مدير المخابرات الحربية في عهد مبارك ، وعضو المجلس العسكري بعد يناير 2011 ، ولماذا ظلت تلك الثقة لا تهتز أبدا حتى الأسبوع الأخير قبل إطاحة مرسي ، ولماذا كان العالم كله يرى أن الأرض تميد بمرسي والجماعة ، وأن صفحتهم تقترب من الطي خلال أيام ، إلا الجماعة والمرشد ومكتب الإرشاد ومرسي ، كانت لديهم ثقة تامة وحاسمة ، في أن "السيسي" ضمانة لكل شيء ، من أين أتوا بكل هذه الثقة فيه ، ماذا فعل لهم السيسي ، وماذا فعل معهم ، كيف وصل إلى عقلهم وعواطفهم بكل ذلك العمق واليقين ، هذا هو اللغز الذي لن يكشف عنه الإخوان أبدا ... وللحديث بقية .