الأهرام
عزت السعدنى
يوم خسوف شمس الكرة المصرية
اسمحوا لى أن أحكى لكم ماذا حدث لنا ساعة حدوث الزلزال الكروى الذى وضع رءوسنا كلنا فى التراب..

{{ ملحوظة من عندي: ليس فى الجملة السابقة أى خطأ لغوى!

أقول اخترنا نحن من يطلقون علينا أصحاب الجباه العالية والفكر الخلاق المتنور الذى يضع مصر فى صدره فى مكان القلب دائما وأبدا..

أقول اخترنا.. مقهى شعبيا متواضعا فى قرية نزلة السمان تحت سفح الهرم.. وعيون أبو الهول وتعاويذه وطلاسمه مع إطلالة الهرم الأكبر.. تحرسنا وتحمينا من شر حاسد إذا حسد.. لماذا كل هذا الحشد التاريخي.. وكل هذا المهرجان الحضاري..؟ لكى نتفرج ويتفرج معنا العالم كله على مباراة فى كرة القدم فى مسابقة كأس العالم.. بين مصر والشقيقة السعودية ونحن كلنا كنا حتى آخر لحظة على يقين من النصر المبين..



وإن كان لن يقدم ولن يؤخر فكلانا ـ مصر والسعودية فى كأس العالم ـ قد خرجنا وقطعنا تذكرة عودة إلى بلادنا.. فلا النصر يفيد وإن كانت الهزيمة توجع القلب وتنصب فى الدور والصدور سرادقات عزاء ليس هذا وقتها ولا مكانها والعالم كله ـ عامدا أو غير عامد نراه ينقض علينا.. كما انقض الإسرائيليون على الحمل الفلسطينى الوديع وأخذ أرضه وأسال دمه ودم شعبه الذى ينزف فى اليوم الواحد مرات ومرات والعالم يتفرج ولا يتحرك ولا حتى يتوجع أو يتأوه!

ولكن الزلزال الكروي.. وقع.. ولم يكن محسوبا ولا مكتوبا بحكم حسابات تاريخ الدول فى كرة القدم.. والعالم كله يعيش الآن فى حالة انتظار وترقب لاعلان اسم البطل.. بطل العالم كله فى اللعبة الشعبية الأولي..

الذى حدث أيها السادة عشناه وشاهدناه لحظة بلحظة ودقيقة بدقيقة.. والذى أدمى قلوبنا كلنا وأطلق الصرخات من حلوق الرجال والشباب والنساء والولايا والصبايا فى الدور والحقول والبيوت والمقاهي.. حسرة وألما وندما وغضبا.. فلم يكن أحد يتوقع لنا هذه النهاية وهذا الانهيار.. كأن السد العالى نفسه الذى يطعمنا ويسقينا قد انهار فجأة.. ليملأ الفيضان ـ فيضان الغضب وهدير الندم ـ كل دار وكل عين امتلأت بالدموع وكل صرخة ألم خرجت لوحدها.. ساعة حدوث الزلزال.. زلزال الهزيمة والخروج وزلزال أكبر منه وأشد تأكيدا.. هو الخسارة فى آخر ثانية من الفريق السعودى الذى كان حتى سنوات قليلة مضت مجرد تلميذ صغير شاءوا أم أبوا.. فى مدرسة الكرة المصرية.. وكبر التلميذ وطالت قامته ليهزم الأستاذ والمعلم بالضربة القاضية!

{{{{{

وإذا كنت هذه المرة قد شاهدت وعشت لحظات الهزيمة المرَّة لمصر وخروجها الحزين من كأس العالم مع الشقيقة السعودية التى غلبتنا فى آخر مشهد فى فيلم: آخر أيام الكرة المصرية.. وهى تودع المونديال العظيم.. وهو من إخراج المخرج العجوز الذى اسمه الخواجة كوبر الذى نكد علينا أيامنا ـ واحنا موش ناقصين نكد وسط غابة من الدول تريد أن تنقض علينا ـ والجملة الأخيرة لشاعرنا الجميل مصطفى الضمرانى الذى كان آخر تعليق له: جت الحزينة تفرح مالقتلهاش مطرح!

تعليقا مباشرا على الهزيمة غير المتوقعة من فريق علمناه كان يوما ما تلميذا فى مدرسة الكرة المصرية.. فلما اشتد ساعده رماني.. كما يقول شاعر عجوز لا أتذكر اسمه الآن!

وجدتنى أقول: ولكننا إذا كنا نحن قد فشلنا بفضل خيال المآتة الذى أسمه كوبر وخططه العجيبة التى انتهى عمرها الافتراضى يقودنا عمنا محمد صلاح الذى نفخر به ويفخر بنا والذى رفع رأسنا فى المحافل الكروية الأوروبية.. ولكنه كان وسط لاعبين عجزة يجرون أرجلهم جرا.. ويلعبون لعبة أخرى ليس اسمها أبدا كرة القدم العالمية.. فضاع منه الطريق وإن كان قد سجل هدفا وأضاع آخر.. حتى نشط الفريق السعودى فى آخر المباراة وسجل هدفين فى حراسة الأجاويد والأشاوس من لاعبى مصر الكرام.. ليفسد علينا فرحة هذا العيد الكروى العالمى الذى أوحشنا كثيرا.. بعد أن غبنا عنه 28 سنة بحالها.... يا خبر!.

{{{{{

لكن ابنى كريم السعدنى الذى تخرج فى جامعة الأهرام الكندية ويعمل منذ سنتين محررا تحت التمرين فى القسم الرياضى بالأهرام فاجأنى بقوله: حضرتك نسيت حاجة مهمة.. سبب الأزمات التى واكبت ورافقت خروج مصر من المونديال.. وربما كانت السبب الرئيسى فى خروجنا المهين..

أسأله: إزاى؟

قال: عندك حاجات كتير:

1 ـ الفوضى التى حدثت فى معسكر الفريق المصرى فى روسيا.. التى أدت إلى غياب التركيز لدى اللاعبين فى فندق الإقامة فى جروزني.. مقابلات وأحاديث صحفية والداخل أكثر من الخارج!

2 ـ ثم من هذا العبقرى الذى سمح لمحطات الاذاعة والتليفزيون فى كل أنحاء العالم العربى والأجنبى بإجراء أحاديث تليفزيونية مع اللاعبين داخل غرفهم فى الفندق؟

3 ـ ثم من هذا العنتيل الذى سمح لفرقة الفنانين والفنانات الذى عرفنا من أسمائهم: ليلى علوي+ الراقصة فيفى عبده+ وأخريات لم نتشرف بأسمائهن بالوصول إلى معسكر اللاعبين.. وغرفهم وهات يا تصوير وكر يا ضحك.. وهات يا تنكيت؟

4 ـ ثم وهو الأخطر: هل حقا تم التلاعب فى بيع تذاكر المباريات والتجارة بها فى روسيا.. وهى أصلا تذاكر الجماهير المصرية الغلبانة التى تكلف نحو 30 ألفا منهم ــ كما قالت الميديا العالمية ــ مشاق السفر من مصر إلى روسيا والاقامة على حسابهم والتنقل على حسابهم الخاص لتشجيع ومؤازرة المنتخب المصرى الهمام الذى كسر نفسهم وخذلهم فى النهاية وخسر من روسيا وأوروجواي، وأخيرا خسر من السعودية كمان التى غلبتها روسيا خمسة/ صفر!

قلت لعمنا كريم: على أى حال كلها أسئلة فى الصميم يصعب الاجابة عنها الآن.

وعندما تنكشف الحقائق فى جلسة مساءلة علنية تطالب بها الجماهير المصرية لكل الأطراف فى مجلس النواب نبض صوت مصر كلها.. سوف يكون الحساب عسيرا.. وقد أعذر من أنذر.. والجملة الأخيرة لى أنا!

5 ــ ثم أين كان رجال اتحاد الكرة.. لا أسمع لهم صوتا ولا نفيرا.. من هذا كله.. عندما كانوا على مشهد من الحكاية والرواية.. وقد سافروا كلهم بربطة المعلم وظهروا وهم يتجولون فى شوارع «جروزنى» التى كان يقيم بها الفريق المصرى.؟

أين كانوا من حكايات وروايات وسهرات اللاعبين داخل فندق الاقامة الذى كان مفتوحا كأنه محطة مصر. الداخل أكثر من الخارج والداخل مفقود.. والخارج مولود.. والعبارة الأخيرة لشاعرنا الجميل مصطفى الضمرانى..

لماذا لم يلموا شمل اللاعبين ويمنعون الداخل إليهم فى غرف نومهم والخارج يسألونه: أين كنت..؟ وماذا أنت تفعل داخل غرف اللاعبين؟

6 ـ ثم من المسئول عن هذه المهازل التى حدثت فى المؤتمر الصحفى للبعثة بعد أن عادوا بحمد الله وسلامته إلى أرض الوطن.. يجرون أذيال الخيبة.. وهل هناك خيبة أكثر من أن «تطلع» الأخير فى فصلك.. فى مدرستك.. فى عملك.. وأنت تمثل بلدك فى محفل دولى ولا أحد يحاسبك ولا أحد يقول لك «تلت التلاتة كام»!

7 ـ والسؤال الأخير همس به فى أذنى خبيث من خبثاء القوم ـ وما أكثرهم فى هذا الزمان ـ قال: اسألوا رجال الاتحاد والمسئولين عن بعثة مصر فى كاس العالم: أين فلوس الاتحاد الدولى التى صرفتها لمصر عندما ذهبت إلى كاس العالم؟

أكيد عند رجال الاتحاد الجواب.. ونحن فى انتظار سماع هذا الجواب!

ألف سؤال وسؤال فى انتظار الاجابة عليه..

أما سمعة مصر الكروية فلا أحد يهتم بلم جراحها وتجفيف دمها الذى سال..

وإذا كنا كدولة متحضرة ذات تاريخ مجيد يسد عين الشمس وعين العدو كمان.. يقودها قائد شجاع متحضر اسمه: عبدالفتاح السيسي.. لابد أن نفتح كل الملفات.. ونكشف الحقائق كلها.. ساعتها نقول للعالم كله: مصر بخير.. مادام النيل يسقيها وعيون قائدها ترعاها.. وتحيا مصر.

{{{{{

على أى حال لقد تذكرت الآن فى غمرة الأحزان.. عمنا وسيدنا وتاج راسنا فى النقد الرياضى الكاتب الكبير الذى اسمه نجيب المستكاوى: وقد عملت تحت إمرته سنوات فى شبابى الصحفى ورحت اسأله عبر سحب الغيب قلت له: يا عمنا وتاج راسنا: ماذا تقول فى هذه المهزلة الكروية المحزنة التى وضعت رأس الكرة المصرية فى التراب؟

قال فى عبارة حزينة: يا عزيزى لقد تابعت كل شىء.. ولسوف تنكشف كل الحقائق.. ولابد أن يكون الحساب فى النهاية عسيرا، أريد أن أقول إن محمد صلاح وحده ليس هو المنقذ.. يوجد ألف محمد صلاح غيره فى القرى والنجوع مادام النيل يرويها وكل إنسان يجد قوت يومه حلالا زلالا.. فسوف تنجب الأمهات المصريات الولود ألف صلاح وصلاح وصلاح.. صدقني..

سألته: يا عمنا وتاج راسنا.. كما كنت تفعل فى وصف مبارياتك ضع درجة من عشرة لكل لاعب فى فريق مصر الذى خسر آخر مباراة وإنها أسوأ مباراة!؟

قال: لا تحملوا محمد صلاح كل الهم وكل المسئولية هو لا يلعب وحده.. هو مجرد قطعة شطرنج فى رقعة شطرنج بحالها!

أما الدرجات: درجات اللاعبين: عمك صلاح عشر درجات على عشرة. أما الحضرى الحارس العملاق الذى اكتشفته أنا صغيرا.. فيحصل على 9 من عشرة.. لأنه صد بنالتي.. ودخل فيه هدف فى آخر ثانية فى غفلة من الدفاع المصري..

أما المهاتما كوبر ـ على وزن المهاتما غاندي.. فليرحل إلى غير رجعة ويرحل معه مساعدوه.. وترحل معه طريقته الدفاعية التى خسرتنا «الجلد والسقط» وأنستنا حلاوة الكرة المصرية وإنجازاتها وانتصاراتها!

وكل كأس عالم وأنتم طيبون.. وكل كأس عالم ومصر دائما بخير وسلام!

ويا ترى مين يعيش لكأس العالم الجاى..!!{

>> أما المهاتما كوبر ـ على وزن المهاتما غاندي.. فليرحل إلى غير رجعة ويرحل معه مساعدوه.. وترحل معه طريقته الدفاعية التى خسرتنا «الجلد والسقط»! >>

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف