الأهرام
مصطفى السعيد
مستقبل أردوغان الغامض
فصل جديد أكثر خطورة وغموضا فى تاريخ تركيا بدأ مع إعلان فوز الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى الانتخابات التى جرت الأحد الماضي، والتى وضعت كل السلطات فى أيدى أردوغان المتوجس من نزع السلطة من يديه منذ محاولة الانقلاب فى 15 يوليو 2016، وقرر أردوغان بعدها أن يضع كل السلطات فى يديه وحده، ولهذا قرر إجراء استفتاء يلغى النظام البرلمانى ويحوله إلى نظام رئاسي، وأن يكون بيده تعيين الحكومة والوزراء وإقالتهم، وأن يصدر مراسيم رئاسية لها قوة القانون، وغيرها من الصلاحيات التى تكرس حكم الفرد الذى يسعى إليه.

كان أردوغان واثقا من فوزه فى الانتخابات، فقد وضع كل من يشك فى معارضته فى السجون بوصفه من أتباع فتح الله كولن، الذى أصبح الشماعة التى تقود فورا إلى الإقالة أو الطرد من الوظيفة، وسيطر أردوغان بشكل شبه مطلق على كل وسائل الإعلام التركية، ووضع عشرات الصحفيين والإعلاميين فى السجون، لقد فاقمت محاولة الانقلاب من فزع أردوغان، وتسيطر عليه حالة من انعدام الثقة، شملت حتى أقرب المسئولين إليه، لهذا أبعد صديقه وشريكه فى تأسيس حزب العدالة والتنمية عبد الله جول، ومن بعده أطاح بصديقه الوفى أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء، ومن قبلهما كان انقلابه على الأب الروحى فتح الله كولن، الذى ساعده وحزبه على تصدر المشهد السياسى فى تركيا، لكن أردوغان أصبح أكثر عدوانية وارتيابا، ولن يتورع عن نهش كل من يشك فى ولائه التام، فهو يعيش بهاجس أن مؤامرات دولية تستهدف الإطاحة به، وأن محاولة الانقلاب سوف تتكرر بأشكال عدة، ولهذا يستعد دائما لوأدها قبل أن تولد، ولهذا ستعيش تركيا حالة الفزع المسيطرة على أردوغان، ولكن مصدر الفزع التركى هو أردوغان ذاته، الذى لم يعد يرى أن السلطة يمكن اقتسامها أو الشراكة فيها، فإما كل السلطات وإما لا شىء. ولهذا ستضيق مساحة الحريات العامة أكثر فأكثر، وتزداد شراسته ضد أى معارض مفترض، وستقوى شوكة أجهزة المخابرات والأمن العام، والمبرر هو أن تركيا تتعرض لمؤامرات خطيرة من أعداء كثر. استرابة أردوغان لن تتوقف عند الأوضاع السياسية المتردية فى تركيا، فهو يرى أيضا أن التدهور الاقتصادى الملموس، والذى يكشفه تراجع قيمة الليرة وازدياد العجز فى الموازنة، وديون تجاوزت 200 مليار دولار، يرجع إلى التآمر الكونى على شخصه الذى يسعى إلى إعادة الإمبراطورية العثمانية، ولهذا فإن العلاقات الخارجية لتركيا ستتأثر سلبيا بتلك الوساوس المتمكنة من أردوغان، وسيتسع الشقاق مع أوروبا والولايات المتحدة، ولن يثق فى الرئيس الروسى بوتين رغم كل المحاولات الروسية لجذب أردوغان بعيدا عن الولايات المتحدة.

الحليفان الوحيدان اللذان يثق أردوغان بهما هما جماعة الإخوان المسلمين وحاكم قطر، فأعضاء جماعة الإخوان ينظرون إلى أردوغان وكأنه خليفة المسلمين، ومستعدون للتضحية بحياتهم فى سبيله، يدينون له بالطاعة العمياء، ويرون كل ما يقوله ويفعله هو الصواب، لهذا منح مئات الآلاف من المسلحين واللاجئين السوريين من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها وحلفائها الجنسية التركية، وسوف يعتمد عليهم فى مقاتلة أعدائه فى الخارج والداخل، فهو يثق بهم أكثر من معظم الأتراك، فنصف الأتراك لم يصوت لصالحه، والنصف الآخر وقف معظمه إلى جانبه مضطرا، إما خوفا وإما طمعا، أما حاكم قطر فهو شريكه فى الحلم ولو بنصيب صغير، لكنه يمتلك من المال والغاز ما يمكن أن يساعد تركيا فى محنتها الاقتصادية التى سوف تتفاقم، ويرى أردوغان أنه أحق بفوائض قطر من الرئيس الأمريكى ترامب، وهو من يحمى عرش حاكمها، لكن قطر لا يمكن أن تمضى فى طريق أردوغان بلا مخاوف وتحفظات، وهى تدرك أنها فى مهب الريح. الورقة القوية فى يد أردوغان هى التلويح بانتقاله من المعسكر الأمريكى إلى المعسكر الروسى الصينى الإيراني، ومثل هذا الانتقال يمكن أن يقلب موازين القوى فى المنطقة والعالم فى غير مصلحة أمريكا وأوروبا، لكنه لن يلقى بهذه الورقة، بل سيكتفى بالتلويح بها وابتزاز الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج، لأنه يخشى من حرب اقتصادية وحصار لن يستطيع الصمود معه طويلا، فالاقتصاد التركى شديد الارتباط بالاقتصاد الأوروبى والأمريكي، والتراجع الكبير كان مجرد إنذار موجه إلى أردوغان، ورسالة بأن انهيار الاقتصاد التركى بيد من رفعوه، ليقدموا تركيا نموذجا يحتذى للبلاد العربية والإسلامية بدلا عن إيران المتمردة، ولهذا لا يمكن لأردوغان أن يمضى طويلا فى التمرد على المعسكر الأمريكى الأوروبي، لكن هواجس أردوغان من وجود مؤامرة لنزعه عن السلطة بالقوة الناعمة أو المفرطة ستجعله يتردد دائما فى العودة إلى أحضان الولايات المتحدة وأوروبا، لهذا قد يموت من العطش والجوع وهو متردد هل يشرب أم لا من التحالف الأمريكى أم يأكل أولا من التحالف الروسى الصينى.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف