الوطن
د. محمود خليل
كسبوا هم.. وخسر الجمهور
أنت الذى فعلتها ثم جئت تشكو منها!.. يتندر كثيرون الآن على أن منتخب مصر احتل المركز قبل الأخير فى ترتيب منتخبات كأس العالم، وكاد يقع فى «الأخير»، لولا فوز تونس على بنما. عندما يسيطر على أى نظام عناصر «محدودة القدرات» ويصبح العمل بداخله مجرد «سبوبة» يصبح الفشل نتيجة حتمية. كيف يمكن أن تكتشف محدودى القدرات داخل أى نظام؟. أمامك أحد مؤشرين: الصوت الزاعق، والثقة المفرطة. أما «السبابيب» فهى ليست بحاجة إلى مؤشرات، لأن من يزمر طلباً للمكسب غير المستحق لا يخفى ذقنه.

بإمكانك أن تراجع التصريحات والتعليقات والمؤتمرات الصحفية التى سبقت وأعقبت مشاركة مصر فى مونديال 2018، وستجد نوعاً من الغلبة للصوت الزاعق أو الثقة المفرطة على المضمون الموضوعى. قبل المشاركة تحول الحدث إلى «واجب قومى» و«شرف وطنى»، ومن بعد تحول إلى «زفة بلدى» وكان لا بد من نزول «النقطة»!. الأمر لم يكن يعدو مشاركة فى بطولة عالمية، لا بد أن يكون فيها فائز وخاسر. وبعيداً عن الطابع الحنجورى الذى غلب على الخطاب الإعلامى، نحن كنا أمام مجموعة من محدودى القدرات، سواء على مستوى الإدارة أو التدريب أو اللاعبين، كان مطلوباً منهم تحقيق نتائج جيدة فى نظام عالمى أساسه تقديم أصحاب القدرات والمهارات الحقيقية. نحن كنا أمام مجموعة من المزيفين الذين يواجهون بشراً حقيقيين فكانت النتيجة كما رأينا. والمسألة لا تحتاج إلى خبرة فى التقييم، فالأرقام لا تكذب والصورة لا تتجمل. وليس ذلك دأبنا فى مجال الرياضة وفقط، بل يمتد أمر تقديم «محدودى القدرات» إلى كل مناحى حياتنا. المواطن نفسه لا يتأخر عن تقديم ابنه محدود القدرات على غيره، ما دامت الفرصة مواتية.. أنت شريك!.

أما عن «السبوبة» فحدث ولا حرج. الكل ذهب كى «يتسبب»، و«صحن الفتة» وسع الجميع، الكل أكل حتى شبع، وليس مهماً الأداء، العناصر المشاركة والوسطاء والسماسرة ربحوا، لم نكن بصدد لعبة رياضية تركز عناصرها فى تحقيق نتائج جيدة، بل كنا بصدد «ناس رايحة تتسبب»، لذلك كسبوا هم وخسر الجمهور. واللوم كل اللوم على الجمهور، فهو الذى صنع نجومية هؤلاء، والنجومية هى التى جلبت الإعلانات، وخلقت مناخاً مواتياً لـ«السبابيب». والتشجيع هو الذى جلب «الشعبية» التى يتم استثمارها على كل لون. الكل «اتسبب» وأنت وحدك الخاسر. وليس لك أن تنكر أن كثيرين يفكرون بنفس الطريقة التى فكر بها اللاعبون والإداريون والمدربون حين تركوا «شغلهم» وبدأوا يبحثون عن «الترلم لم» المتساقط حولهم!

الجماهير فى كل الدنيا تحب لعبة كرة القدم وتنحاز وتشجع وتتعصب، والفارق بيننا وبين غيرنا أننا لا نفهم أن «الكرة» صناعة. هم يعتبرون كل شىء صناعة، لا بد أن تتوافر عناصر محددة لنجاحها. الكرة عندهم كرة، لا تختلط بشعارات قومية ولا نعرات دينية ولا سمسرة اقتصادية لحساب مشروعات لا تفيد الصناعة. والعناصر التى تديرها يتم اختيارها طبقاً لمعايير موضوعية، وليس طبقاً للهوى والواسطة والشللية. الفشل ثقافة وكذلك النجاح. فكر قليلاً وسوف تجد أننا عباقرة فى صناعة المشكلات ثم الشكوى منها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف