الأهرام
سعاد طنطاوى
القوة الناعمة للساحرة المستديرة
صدق من وصفها بالساحرة المستديرة، فتأثيرها خارق على محبي كرة القدم فى العالم أجمع. هذه اللعبة الأشهر عالميا عن باقى الألعاب الرياضية تثبت تفوقها على كل وسائل التواصل المعروفة، بل وتؤكد يوميا أنها تتربع على عرش الدبلوماسية وتحمل من القوة الناعمة ما يجعلها تتفوق به على القوة الناعمة للثقافة والأدب والفن، لدرجة تمكنها من حل أعتى الأزمات الدولية أو تعقيدها!.
هذه الساحرة التى تسحر عقول شباب العالم أجمع ورجاله وكثير من نسائه، تحمل بداخلها عجائب وغرائب، فتارة تجدها تحمل رسائل إيجابية عن التعاون وروح الفريق الواحد، والتفاهم والاندماج، وتارة أخرى تسلط سحرها على لاعبيها وتنفخ سموم العنصرية والكراهية وتفتعل الأزمات بين الشعوب والدول.

مثلما حدث بين السلفادور وهندوراس في عام 1969، والأزمة السياسية التي اندلعت بين مصر والجزائر في عام 2010، وللأسف تعرف أيضا ملاعب كرة القدم العنصرية بين لاعبيها ويتعرض بعضهم لشتائم عنصرية، نظرا لبشرتهم السمراء أو أصولهم العرقية أو ديانتهم.

وأبرزهم مثال ما فعله لاعب منتخب أورجواي لويس سواريز في أثناء وجوده في نادي ليفربول ورفضه لمصافحة باتريك إيفرا لاعب مانشستر يونايتد وقتها واصفا إياه بـ"الأسود"، مما تسبب في إيقاف سواريز لمدة 8 مباريات.

ولا يغيب عنا ما تعرض له داني ألفيش ومسعود أوزيل وماريو بالوتيلي وغيرهم من اللاعبين من عبارات تحمل كثيرا من العنصرية واستطاع لاعبوا ومحبو والقائمون على هذه اللعبة الشعبية استغلالها سياسيا، كحركة النسر الذي يرمز لألبانيا، والتي أشار بها لاعبو منتخب سويسرا، تشاكا الألبانى وشاكيري الكوسوفي حاملي الجنسية السويسرية في مباراة منتخبهم ضد منتخب صربيا، ويذكرنا ذلك الموقف بالتصفيات المؤهلة ليورو 2016، وأثناء المباراة في صربيا، حينما قام أحد الجماهير برفع علم ألبانيا الكبرى على طائرة ورقية، مما جعل أحد لاعبي صربيا ينتزع علم ألبانيا، مما سبب تشابكا بين لاعبي المنتخبين.

رغم أن الفيفا تمنع رفع أي شعارات سياسية في مباريات كرة القدم، سواء من جانب الجماهير أو اللاعبين، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور هذه الأحداث، وشدة الترابط بين السياسة وكرة القدم، ويذكرنا ذلك بمحمد أبو تريكة عندما أحرز هدفا في كأس الأمم الإفريقية بغانا ٢٠٠٨ ورفع وقتها التيشرت الذى يرتديه مكتوبا علية "تضامنا مع غزة"، وأيضا رفع علم كتالونيا تعبيرا عن الرغبة فى الانفصال عن إسبانيا فى مباريات نادي برشلونة وغيرها من المواقف التى تحدث، مما يظهر مدى خطورة الدور الذى تلعبه هذه الساحرة وهو ما فطن إليه رؤساء وحكومات وشعوب دول منهم ترامب وضغطه على دول بالتهديد حتى يوافقوا على استضافة بلاده لمونديال ٢٠٢٦.

وهو ما جعل دول كثيرة إيضا تفطن الى استغلال لعبة كرة القدم في الدبلوماسية، وإقامة علاقات سياسية وتجارية، والترويج للمنتجات، والسياحة، والتنمية، والتعليم والأهم تحسين صورة دولهم أمام العالم وتوطيد علاقاتهم مع االأخرى، وكذلك تعزيز السلام، ودمج الأقليات وتحسين العلاقات بين الدول بعدما فشلت الطرق الدبلوماسية التقليدية فى حلها مثل مباراة إيران والولايات المتحدة فى كأس العالم بفرنسا عام ١٩٩٨.

وعن بلدنا الحبيب مصر نتساءل هل استطاعت مصر الاستفادة من تلك القوة الناعمة؟ ألم يؤثر سحرها فى أي شئ؟ وهى تمتلك أكبر قوة ناعمة ألا وهو اللاعب المصري "محمد صلاح" ذلك النموذج الذى تنفرد به مصر دوليا ولن يتكرر ثانية، والذي يوضح للعالم أجمع كيف تكون كرة القدم مصدرا رئيسيا من مصادر القوة الناعمة للدولة، بما حققه من إنجازات فى أكبر الأندية الإنجليزية جعلته أحد وسطاء السمعة الذين يضطلعون بدورٍ في صياغة صور إيجابية لمجتمعاتهم.

وبحسب التحليلات الغربية يمكن مع استمرار علاقته الإيجابية مع الجماهير الغربية أن يساعد فى تخفيف حدة كراهية الغرب للعرب والمسلمين، لكن للأسف ساهم الإعلام المصري بتصرفات غيرلائقة تهدم ما يصلحه هذا الفرعون المصري، ما يستدعى وقفة جادة ومحاسبة أنفسنا لنعرف بجد ما سبب خروجنا من مونديال ٢٠١٨ ونحن نجر أذيال الخيبة ولتكن مبدئيا الإجابة "بما كسبت أيدينا'".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف