جمال سلطان
الإخوان والسيسي .. الرهانات الخاطئة !
بقرار الرئيس محمد مرسي تسليم قيادة الجيش للفريق أول عبد الفتاح السيسي اعتبرت الجماعة أن حكم مصر قد دان لها بالفعل من هذه اللحظة ، لإدراكهم أن التحدي الوحيد الجاد أمام طموحهم للسلطة والبقاء على عرشها أربعمائة عام كما رددوا بخيلاء أيامها هو الجيش ، وثقتهم التامة في أن السيسي رجلهم ، وبالتالي فقد وضعوا رجلهم ـ حسب تصورهم ـ على رأس القيادة العسكرية ، لذلك استخف الإخوان بكل حراك شعبي أو مؤسسي ضدهم ، سواء من جبهة الإنقاذ أو القضاء أو الإعلام أو الأحزاب والائتلافات الثورية أو غير ذلك ، لم يهز ذلك فيهم شعرة ، ولم يدعهم إلى بذل أي جهد من أجل احتواء الغضب المتنامي ، ولم يفكروا في أن يقدموا أي تنازل ، وحتى عندما كان المتظاهرون يقفزون على سور القصر الجمهوري ، ويذهب أحدهم بونش لاقتلاع البوابة ، لم يكن ذلك يخيفهم ، ولم يروا فيه أمارات أي شيء مما كان العالم كله يراه ، فقد كانوا على ثقة تامة ويقينية بأن "رجلهم" في الجيش سينهي كل شيء عند الضرورة ، لذلك باعوا الجميع وأداروا ظهرهم للجميع استنادا إلى هذه الثقة .
أسرار ما جرى بين السيسي والجماعة سيظل لغزا إلى سنوات طويلة مقبلة ، وواضح جدا أن أحدا من الطرفين غير متحمس لرواية ما جرى ، غير أن الرواية تواترت عن قيادات بالجماعة أنهم عندما كان يأتي ذكر السيسي والجيش كانوا يشيرون إلى جيوبهم ، وهي حركة تلمح إلى أن الشخص مضمون تماما ومسيطر عليه تماما ، كما كان الإعلامي المقرب من الأجهزة توفيق عكاشة يردد دائما عبر شاشة قناته بأن الإخوان اخترقوا المخابرات الحربية ، وزرعوا رجلهم فيها ، وهو كلام كان يقتضي المحاكمة العسكرية لقائله ، لكنه مر ، لأسباب غير مفهومة ، كما تواترت الروايات من حلفاء الجماعة عن استغرابهم من أنهم كلما شكوا للرئيس عن أمر يتعلق بالفريق السيسي أو مجريات الأحداث في الدائرة المحيطة بالقصر ، أنه كان ينقل ذلك مباشرة إلى السيسي نفسه ، أي أنه كان يثق فيه أكثر من ثقته في حلفائه من التيار الإسلامي .
واللافت أن الجماعة كانت على علم بأن الفريق أول عبد الفتاح السيسي يفتح جسور تواصل مع حركات شعبية ، وخاصة جبهة الإنقاذ والإعلاميين والمثقفين ، ووصلت إلى حد ترتيب لقاء موسع بهم في أحد مقار القوات المسلحة ، وهو ما رفضه مرسي بعد أن وافقت عليه الجماعة من حيث المبدأ ، غير أن الجماعة كانت ترى أنه يفعل ذلك من باب محاولة احتوائهم ، وعندما بدأت الأمور تنكشف بجلاء في الأسبوع الأخير ، وأصدر السيسي بيانا باسم المجلس العسكري يهدد فيه الجميع بالتوافق أو اتخاذ إجراءات ، كان الإخوان على يقين من أن هذا التهديد لا يقصدهم ، وإنما هو موجه إلى "جبهة الخراب" كما كانوا يسمونها ، وأن قائد الجيش يهدد الخارجين على الشرعية ، وأذكر أنهم شتموا الأستاذ محمود سلطان عندما كتب في ذلك اليوم يقول أن التهديد موجه بوضوح إلى الرئيس والجماعة ، وحرص مرسي في خطابه ذلك اليوم على أن يؤكد على ثقته بالجيش وقائده وقال عبارته الشهيرة "جيش مصر فيه رجال من ذهب" ، وصفق له السيسي يومها .
هذه الثقة المفرطة والأسطورية في ولاء الجيش للجماعة ، وتصورهم الغريب أن قائد الجيش في "جيب" المرشد ، ورطت الجماعة في خسارة أي حاضنة شعبية ، وسهلت مهمة عزلهم الكامل عن المحيط الوطني ، فكرههم الجميع ، الأحزاب والقضاة والإعلاميون وشباب الثورة والرموز السياسية المستقلة ، وبدلا من أن يقوموا هم بدور احتواء الغضب ، كانوا يرتكنون إلى أن "الجيش" سيحسم الأمور عند الحاجة ، وقد روجوا وقتها أن القوى المدنية هي التي أدارت ظهرها ورفضت تواصل الرئاسة وعروضها ، وكلها كانت أكاذيب لا صلة لها بالواقع ، وقد قابلت بعض من نسبوا إليهم ذلك الكلام ، ونفوا نفيا قاطعا أن يكون أحد يتواصل معهم أو يعرض عليهم شيئا ، وقال لي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كلاما قاسيا ومريرا عما فعلوه معه والأكاذيب التي روجوها عن عروض وهمية لا وجود لها عرضوها عليه لكي يشوهوه من جانب ومن جانب آخر يبرروا إدارة ظهرهم لكل شركائهم ، وفي كلامه تفاصيل لا يناسب الوقت لذكرها .
... وللحديث بقية .