عبد الجليل الشرنوبى
كم مُنْذِرا للإنسان من توحش الإخوان؟
فى بدء ما كان من طرحٍ يستهدف التَنَبُّه العام، أكد المقال السابق والمعنون (من جرائم الاختطاف التنظيمى الإخواني) على أن قضية المواجهة مع تنظيمات التطرف وأصلها (الإخوان)، تتجاوز خانة مواجهات التهديدات الأمنية إلى خانات متعددة أهما تهديد الإنسانية، والنموذج الآنى لضحايا هذا التهديد، يتمثل فى أم سورية كان أن ساقتها الأقدار للزواج من كادر تنظيمى إخوانى له خصوصيته، فهو من أسرة لها ثقلها الاقتصادى وعلاقاتها النافذة بحكم عمل والده السابق فى القضاء، ومجالات عمل هذا الزوج التنظيمية والاستثماريه ترتبط ارتباطاً مباشراً بالإعلام أحد أهم أسلحة التنظيم الموجهة إلى مصر وأهلها، وهذه الخصوصية على عدة مستويات تؤهل مثل هذا الكادر التنظيمى لفعل ما يشاء، ضامناً انحياز القيادة له، وبالتالى حين قرر أن يهجر (زوجته) منذ 2012م، لا تجد الأم وصغيرها مجيراً تنظيمياً، وحين قرر الزوج وأهله اختطاف الطفل وتهريبه إلى (تركيا) ذهبت هباءً كل توسلات الأم لمعرفة مصير ابنها الذى اختفى فجأة، تفاصيل عديدة من معاناة هذه الأم جميعها ترسم صورة حقيقية لوحشية التنظيم وتوحش قياداته عبر الاستئثار بالحق.
مع ما حملته المقالة السابقة من استغاثات، تفاعلت جهات عدة مع حالة (الأم السورية)، وقررت الإعلامية (رشا نبيل) مقدمة برنامج (مصر النهاردة) على قناة مصر الأولي، ومعها المعد المجتهد (محمد إسماعيل)، أن تكون هذه الأم هى ضيفة حلقة اليوم لتشرح لكل معنيٍّ بالخطر على الوطن وإنسانه، كيف يعصف هذا التنظيم بكل معايير الإنسانية غير مكترث حتى بحق فطرى مثل (الأمومة). والحقيقة التى لم تُسْعِفْ الأحداث تعريتها، أنه لا قيمة حقيقية للإنسان بكامل مكوناته وقيَمِهْ فى واقع التنظيم الإخواني، فهو مجرد أداة فى يد قيادة التنظيم، ولذا لا تندهش عندما يكون التنظيم على علم بموعد عرض أحد قواعده (م. ع. أ.) على النيابة وكل المطلوب هو محامى يقوم بإجراءات المعارضة ليتم الإفراج عن العضو، ويؤكد القيادى المحامى (ح. أ.)، للأب الموجوع فى ابنه (حسبنا الله ونعم الوكيل فى الظالمين إن شاء الله أحضر معاه بنفسى بس على الله يقبلوا المعارضة)، ووقت العرض يفاجأ الشاب الضحية بأنه منفرد وأن القاضى يقول له (يا ابنى ليه ما جاش معاك محامى وكان زمانك روحت)، القضية هنا أن هذا الشاب رقم فى بيانات التنظيم وخروجه من السجن يمثل خسارة فى تِعداد تقاريرهم الحقوقية التى يوزعوها على العالم. أما المرأة وحقوقها، فينبغى أن نعلم أنه فى «عالم الإخوان» هناك جنس واحد سائد، ذكر يقود «القطيع التنظيمي» و على الهامش أنثى يتم تلقينها منذ نعومة أظافرها التنظيمية أن أسمى أمانيها فى الحياة أن تكون فى كنف «أخ» يمثل لها ظل الله فى الأرض، و تدور معه حيث دار، و يقينها معلق بنص تراثى (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لـ زوجها)!. وفى رسالة مؤسس التنظيم إلى (المرأة المسلمة) رأى أن (تأديب المرأة المسلمة واجب)، و قال نصاً (من حسن التأديب أن يعلم الرجل بناته ما لا غنى لهن عنه كالقراءة والكتابة والحساب وأحكام الدين وتاريخ السلف الصالح رجالاً ونساءً وتدبير المنزل وشئونه الصحية ومبادئ التربية وسياسة الأطفال)، هذه هى العلوم الأساسية التى يجب أن يرى حسن البنا أنها مناسبة لـللمرأة، أما فيما يخص باقى العلوم فيقول نصاً (تتعلم من باقى العلوم ما هى فى حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التى خلقها الله لها وهى تدبير المنزل ورعاية الطفل) !. وحتى فيما يخص حقوقها فى المنزل والحضانة، فالواقع يشهد بمئات الحالات التى سحقتها ماكينة التنظيم بأقدام (الذكر) وغض التنظيم الطرف عن هذا لكون الذكر قياديا أو حتى ابن قيادى، والتاريخ القريب يشهد انحياز القيادى التاريخى المنفتح- لابنه فى مواجهة عروسه التى أصابها الانهيار العصبى حين فوجئت بعريسها فى أحضان غيرها بفندق الأسبوع الأول للزفاف، وكان أن تطلقت الفتاة بعد أيام من زفافها ورفض والد الزوج منحها أياً من حقوقها كونها من طلبت الطلاق!
إن هذه السطور ليست تستهدف الإثارة والفضائح قولاً واحداً، فما كان لمثلى أن يترصد عورات البشر فكلنا أخطاء، ولكنها سطور تستصرخ المؤسسات النسوية والمعنية بشئون الطفولة وحقوق الإنسان، لنتجاوز خانة التقليدية فى المواجهات الأمنية للتطرف، إلى خانة تفعيل هذه المؤسسات لنصرة من سحقتهن أقدام التنظيم من الأمهات والزوجات، ولمداواة العلل النفسية التى طالت مئات الأطفال من ضحايا هذا السحق التنظيمي، ولتحصين أجيال جديدة تنمو من انتشار جراثيم التطرف فى وعيها، إن مصر بحاجة إلى فعل وطنى نسوى وحقوقى ممنهج إنتاجه مِثل (مُنْذِر) لكل إنسان من توحش تنظيم الإخوان.