الأهرام
نوال السعداوى
قانون مدنى واحد لجميع المصريين
ما هى العقبة أمام إصدار قانون مدنى واحد للأسرة المصرية يساوى بين المواطنين جميعا، بصرف النظر عن الاختلافات المتعلقة بالدين أو الجنس أو الطائفة والمذهب؟. المساواة بين المواطنين هى المبدأ الأساسى بالدستور المصرى وهى جوهر الأديان والعقائد والمواثيق المحلية والدولية، فلماذا يتناقض قانون الأسرة المصرى مع كل هذه المبادئ؟

لماذا تتردد الهيئات الرسمية والشعبية فى تقديم مشروع قانون مدنى واحد لانتشال الأسرة المصرية، مسلمة وقبطية، من المآسى التى تعانيها على مدى القرون والعقود؟

تابعنا ما تقدمه المنظمات الرسمية والجمعيات غير الحكومية، من مشروعات جديدة لتعديل بعض بنود قانون الأحوال الشخصية للمسلمين أو للأقباط، ومعظمها تعديلات لا تغير من جوهر القانون الحالى القائم على التفرقة بين المصريين على أساس الدين والجنس والطائفة.

التفرقة واضحة فى قانون الأسرة للمسلمين والأقباط، ولا يمكن التخلص منها إلا بقانون جديد مدنى واحد، يعتمد على المساواة الكاملة بين المواطنين، لا يفرق بين رجل وامرأة أو مسلم وقبطي، لا يخضع للتضاربات الواضحة بين الفقهاء المسلمين والأقباط، أو التناقضات الصارخة بين الفتاوى والآراء الدينية.

المساواة أو العدالة بديهية دستورية قانونية أخلاقية عالمية محلية، لا تحتاج لكل هذا الحشد من رجال الدين الإسلامى والمسيحي، ولكل هذا السيل من الفتاوى والملاكمات اللغوية الفقهية والطائفية.

عانت مصر طويلا المشكلات الخطيرة الناتجة عن قوانين الأسرة ، وتعذب الملايين من الأطفال والنساء، والرجال أيضا عانوا. يعرف الجميع الداء المزمن الكامن فى جسد وعقل المجتمع المصري، يتردد الجميع فى الإقدام على العلاج الواضح للعين المجردة.

عانت مصر طويلا الفساد المتخفى وراء الأبواب المغلقة، داخل الجدران الأربعة، تحت هذا القانون، الذى يدفع ثمنه الضعفاء من البشر، الأطفال أساسا وأمهاتهم، والذى يتفجر أمامنا فى المحاكم والمستشفيات والملاجئ والشوارع، نقرؤه كل يوم فى صفحات الحوادث بالصحف والمجلات، نسمعه يتردد فى الإذاعات ونراه يتكرر على شاشات التليفزيون والفضائيات، كيف تهدر حقوق وأرواح الأطفال الأبرياء وأمهاتهم المقهورات أمام عيوننا ونسكت؟ أو نطلق بضع صرخات ألم أو عدة شعارات جوفاء ثم نسكت؟ كيف يصبح هؤلاء الملايين البؤساء ضحايا قانون فاسد، قائم على الظلم والغدر والطعن فى الظهر، كيف يكون من حق الرجل تطليق زوجته شفهيا أو غيابيا لأن بعض الفقهاء يفتون بذلك؟

كيف ينكر الرجل نسب ابنه لمجرد التنكيل بزوجته أو الانتقام من أهلها؟ كيف يرفض الأب تحليل البصمة الوراثية (الدى إن إيه) للتهرب من مسئوليات الأبوة تجاه ابنه أو ابنته؟ كيف يعطل الرجل تعليم أطفاله لمجرد امتلاكه الولاية التعليمية؟ كيف يبيع الرجل ابنته القاصر الطفلة، فى سوق الزواج، لمجرد أنه الأب صاحب السلطة المطلقة؟ كيف يخون الرجل زوجته وأطفاله لمجرد نزوة جنسية دون عقاب؟ وكيف يتهرب من النفقة على عياله بسبب القانون الجائر؟ كتبت، منذ بداية هذا القرن الحادى والعشرين عن ضرورة إنقاذ الأسرة المصرية (المسلمة والقبطية) من مآسيها اللانهائية بإصدار قانون مدنى واحد للأسرة المصرية، لا يكفى أبدا عمل تعديلات جزئية لا تقتلع جذور الظلم التاريخى الواقع على نواة المجتمع المصرى وهى الأسرة. سقطت ورقة التوت أخيرا عن الفساد الذى يرتع فى ظل هذا القانون الأسري، تعرى الفساد داخل البيوت المسلمة والقبطية، انكشف الاغتصاب الجنسى الذى يقع من الكبار على الأطفال البنات والأولاد داخل الأسرة الواحدة، عن التجارة بحقوق الأطفال والأمهات فى مكاتب المأذون، كيف يمكن لرجل أن يهدم أسرته ومستقبل أولاده، تحت اسم الشرع، بتوقيع ورقة بمكتب مأذون نظير مبلغ من المال، صغيرا أو كبيرا؟. قد آن الأوان اليوم قبل الغد، لإنقاذ الأسرة المصرية، المسلمة والقبطية، بإصدار هذا القانون المدنى الواحد لجميع المصريين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف