على هاشم
مصر تستحق منا جميعا تغيير سلوكياتنا للأفضل!!
* إنفاق كثير من المصريين بإسراف في بعض جوانب حياتهم ينطوي علي متناقضات ومفارقات تنم عن انفصام عجيب بين سلوكياتهم الحياتية من ناحية وما تنادي به تعاليم الدين من ضرورة الاقتصاد والاعتدال وترشيد الإنفاق من ناحية أخري ورغم أن السواد الأعظم من شعبنا يعاني متاعب اقتصادية حتي قبل اتخاذ قرارات الإصلاح الاقتصادي الصعبة التي غيرت وجه الحياة علي أرض مصر فإن ثمة من ينفقون أكثر من 10 مليارات جنيه سنويا علي الدجل والشعوذة والخرافة حسب تقديرات علمية لخبراء علم النفس والاجتماع. ويهدرون أضعافها علي التدخين والمخدرات. ومثلها علي شراء أجهزة المحمول والرغي في الهواتف التي زادت كلفتها. ومليارات أخري علي تكرار مدهش وغير مفهوم للحج والعمرة..ما يعني أننا أمام ظواهر اجتماعية تحتاج لدراسة علمية تجيب عن أسئلة عديدة مهمة: هل يضطر المصريون بعضهم أو أغلبهم لأن يغيروا سلوكياتهم خصوصاً ما يتعلق بالإنفاق تحت وطأة القرارات الاقتصادية الإصلاحية الأخيرة. وليس بدافع من قناعاتهم أو تنشئتهم أو ثقافتهم التي تربوا عليها مثلما يحدث في الأمم الحية التي تتعهد أطفالها بالتعليم الجيد المنتج والقدوة الحسنة..حتي إذا ما بلغوا مبلغ الشباب جاءوا بسلوكيات قويمة رشيدة ..لماذا مع ارتفاع أسعار الكهرباء مثلاً يترك بعضنا لمبات البيوت مضاءة دون حاجة. الشيء نفسه تفعله الحكومة التي تترك أعمدة الطرق والشوارع مضاءة نهارا ويترك بعضنا صنابير المياه تتسرب منها المياه في كل حين .. وهي الخطيئة نفسها التي تقترفها الحكومة بإهمال صيانة مرافقها ومدارسها وجامعاتها وأجهزتها المختلفة فيتعاظم الإهدار ويزداد الفاقد..لماذا يصر بعضنا أو أغلبنا علي ممارسة تدين شكلي ينفك عن المعاملات والسلوكيات اليومية. ويحرص بعضنا علي تكرار الحج والعمرة ولا يري في ترك العمل وضعف الإنتاج والكسل والتواكل والإغراق في الخرافة نقيصة تجافي روح الدين وتتصادم مع الفطرة السليمة..!!
لماذا يصر المصريون علي إهدار أموالهم فيما لا طائل منه رغم ما تعانيه بلادنا بعد أحداث يناير من متاعب اقتصادية قاسية جراء توقف الإنتاج وانحسار الاستثمارات وتراجع حركة السياحة وزيادة أعباء الديون المحلية والخارجية..فإذا راجعنا سلوك شعب كوريا الجنوبية مثلاً وتجربته القيمة في التعامل مع أزمته الاقتصادية الخانقة التي كانت مثلنا أو أشد وطأة من أزمتنا.. وكيف بادر أغنياؤه وموسروه بالتبرع بأغلي ما يملكون لإنقاذ بلدهم ودعم احتياطه الأجنبي..وكيف امتلكت الإدارة هناك رؤية واعية للخروج من ذلك النفق المظلم في سنوات قليلة لأدركنا كم نحن مقصرون -حكومة وشعباً- في حق بلادنا وأنفسنا وأجيالنا المقبلة» فمصر تستحق منا سلوكاً أفضل وجهداً أكبر وتضحية أعظم لنصل بها إلي المكانة المرجوة..أفلا يستحق بلدنا أن نوجه فوائض أموالنا لمشروعات اقتصادية توفر فرص عمل منتجة تنفع البلاد والعباد وتساعد علي تحقيق وفرة اقتصادية وقيمة مضافة تولد مزيداً من الثروة والعملة الصعبة. وتقترب بنا من تحقيق الاكتفاء الذاتي وتمتص البطالة وتستثمر الطاقات المعطلة..وكل ذلك في رأيي لن يتحقق من تلقاء نفسه ما لم تبادر الحكومة والبرلمان والبنوك الوطنية بتوفير الحوافز الجاذبة والمشجعة لرأس المال والداعمة للصناعات الصغيرة والمتوسطة الرافعة السحرية لأي نهضة اقتصادية بازغة بإجراءات تحفيزية لدمج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الرسمي مع ما يحققه ذلك من فوائد أقربها زيادة موارد الدولة من الضرائب ورسوم التراخيص. وأهمها ضمان جودة المنتج والقضاء علي منتجات بير السلم وتوسيع مظلة التأمين الاجتماعي للعمالة التي تشكو تعسف رأس المال وتوحش الرأسمالية غير المنضبطة.
ينتظر الحكومة الجديدة مشوار طويل لاستنهاض همة المصريين وإشعال حماسهم الوطني ليقدموا أفضل ما عندهم من طاقات خلاقة وملكات مبدعة. كما هي عادتهم في وقت الشدة كما فعلوا أيام العدوان الثلاثي وفي حرب الاستنزاف والعبور العظيم الذي أعاد صياغة المعادلة الإقليمية والدولية ورسم ملامح جديدة لموازين القوي في المنطقة ..قبل أن تتراجع القوة الناعمة لمصر وتتبدل الأحوال في العقود الأخيرة.
والسؤال للحكومة: أليس توفير فرص عمل منتجة الطريق الآمن للقضاء علي الفقر وخلق حركة عمرانية ناهضة..فأين ما رجوناه من مشروعات ضرورية مثل جمع القمامة ومعالجتها بمصانع توفر الطاقة وتخلصنا من تلال الزبالة التي تزكم الأنوف في الشوارع..أليس ذلك من أوجب واجبات الوقت وضروراته..؟!
وسؤالي لمن يصرون علي تكرار الحج والعمرة ظناً منهم أنه يغسلهم من ذنوب دأبوا علي ارتكابها طيلة الوقت..أليس توجيه تلك الفوائض المالية لتشغيل الشباب أو بناء المدارس والمستشفيات أوتوفير العلاج لغير القادرين أو التبرع بها لصندوق "تحيا مصر" الذي نرجو أن يجري الكشف عن المساهمين فيه وحجم تلك المساهمات ..لنري من لبَّي نداء الرئيس بالتبرع لذلك الصندوق» سعياً لتطوير العشوائيات وتقديم الخدمات للقري والمناطق الأكثر احتياجاً..ومنْ أعرض عن ذلك؟!
أين المسئولية الاجتماعية لرأس المال الوطني..ألا يري رجال الأعمال عندنا ما يفعله نظراؤهم في دول العالم المتقدم..وكيف تبرع المشاهير منهم مثل بل جيتس ومارك زوكر بيرج بالشطر الأعظم من ثرواتهم للنفع العام ..لما لا نري في مجتمعاتنا سوي احتكارات تلهب الأسعار. وجشع يشعل النار في المجتمع ويهدد أمنه وسلامه الاجتماعي دون أن يدري من يفعلون ذلك أن هبة الفقراء وذوي البطون الجائعة سوف تكون أول ما تكون وبالاً عليهم هم ..ماذا يفيد الأغنياء والموسرين إذا ما عاشوا في مجتمع محروم. ينظر إلي اللقمة في أفواههم ويحقد عليهم ويتحين الفرصة للانقضاض علي ما في أيديهم إذا لم يجدوا ما يطعمون به بطونهم الجائعة» فالجوع يلتهم في طريقه الأخضر واليابس ..عندئذي لا قدر الله هل يغني عن الأغنياء مالهم أو شركاتهم ..؟!
ثم ألم يبادر رئيس الدولة بالتبرع بنصف ثروته الموروثة والمكتسبة دعما لمصر وشعبها..ماذا ينتظر الأغنياء والقادرون حتي يحذوا حذوه إن كانوا يرجون إنقاذ السفينة من الأمواج العاتية..ماذا يقول المبذرون لربهم حين يسألهم عما أنفقوه ببذخ من عملات صعبة في حفلات وسهرات لا طائل من ورائها..كيف يسرفون في جانب ويقترون في جانب لا يصح الشح فيه..ألا يذكر هؤلاء كيف كانوا مهددين في دولة الإخوان يخافون أن يتخطفهم البلطجية وأرباب السجون لولا ثورة الثلاثين من يونيو ..ألا يرون ما يجري حولهم في أوطان لم تعد قابلة للحياة بعدما افتقدت الأمن والاستقرار..ماذا ينتظر هؤلاء حتي يمدوا أيديهم لبلدهم ..ألا يرون ما تقوم به جماعة الإخوان وأربابهم من أفعال تحريضية لإفشال الدولة وإسقاطها في براثن الفوضي عبر الشائعات والأباطيل والإحباط والكراهية وفقدان الثقة وتعميق الفجوة بين الشعب وحكومته التي يعطي بعض أعضائها الفرصة للأسف ببعدهم عن الناس وافتقادهم العقل السياسي في إدارة ملفات وأزمات معينة .