بهاء جاهين
الكاتب الفنان أحمد عبد الله
من أبرع من أضحكنا وأبكانا, فى مجموعة من الأعمال الدرامية كتبها للسينما أو للتليفزيون, بعضها يُعَد من علامات الدراما المصرية فى الألفية الثالثة. من ضحك من قلبه وهو يشاهد فيلم الناظر أو غبى منه فيه يجد من الصعب عليه أن يصدق أن كاتب هذين العملين هو نفسه من كتب واحداً من أكثر أفلامنا شاعرية وقتامة: هو فيلم ساعة ونص, إخراج وائل إحسان 2012, الذى يسجّل كارثة قطار وضع فيه كاتبه المجتمع كله ليواجه مصيراً داكناً, بل حالكاً. ولا يختلف الحال كثيراً فى فيلم «كباريه» الذى بدأ أحمد عبد الله به رحلة تعاون إبداعى مثمر وخلاق مع المخرج سامح عبد العزيز قدَّما خلاله معاً للسينما وللتليفزيون أفلاماً مثل الفرح والليلة الكبيرة, إضافة إلى مسلسلات: الحارة - بين السرايات - ورمضان كريم. فى هذه الأعمال نجد الحارة المصرية, أو شرائح من المصريين, غالباً فى موقف درامى متأزم يحرص الكاتب على تكثيفه من خلال الالتزام بقواعد التراجيديا عند أرسطو, حيث الحدث يتم فى مكان واحد محدد وفى يوم واحد بليلته ينتهى عادة بكارثة: سهرة فى كباريه تتطاير قرب فجرها أشلاء السهارى فى تفجير إرهابي؛ أو ليلة فرح كاذب, عُرسه مفتعل لتحقيق غرض وحيد هو جمع النُقطة لشراء ميكروباص, تحدث كارثته أيضاً قرب الفجر بسرقة وضياع حقيبة النقوط؛ أو مجموعة من الكوارث حول ضريح أحد الأولياء فى نهاية سهرة الليلة الكبيرة لمولد ذلك الولي.. أما قمة التكثيف فتتحقق فى حصر الحدث الدرامى فى عربة قطار وفى رحلة تستغرق أقل من ساعتين تنتهى بكارثة تحطم القطار.
ورغم أن طبيعة المسلسل التليفزيونى المكون من ثلاثين حلقة تقتضى بناء درامياً مختلفاً تماماً تستحيل خلاله وحدة الزمان والمكان, فإن الثنائى المبدع أحمد عبد الله وسامح عبد العزيز استطاعا فى مسلسلهما الأخير «رمضان كريم» تقديم حدث مكثف فى كل حلقة هو يوم من أيام شهر رمضان, بحيث تبدأ الأحداث بسحور ليلة وقفة رمضان وتنتهى بصلاة العيد. وتدور أحداث المسلسل يوماً بيوم فى تلك الحارة وفى البيوت التى تضم بعض سكانها الذين هم أبطال المسلسل. وفى كتابة أحمد عبدالله كل الشخصيات أبطال, لأن كلاً منها, صغر دوره أو كبر, له حكاية. والحكاية دائماً مصرية, والأبطال شعبيون, وعوامل التأزم فالكارثة عادة ما تعود إلى الفقر والجهل, أو إلى الطمع المتأصل فى الإنسان والذى يزيده الفقر شراسة. ورغم قتامة الرؤية فى معظم أعمال أحمد عبدالله غير الكوميدية, فإن رسمه الشخصيات لا يخلو من نعومة؛ فالشخصيات يحركها الحب كما يحركها الطمع, وقد تسقط, لكن لأسباب إنسانية تجعلنا نفهمها ونتعاطف معها ونرى فيها صورة أنفسنا. فشخصيات أحمد عبد الله ليست ملائكة وشياطين كما فى الميلودراما أو الأعمال الدرامية الساذجة, بل هم بشر مصريون, أحزانهم وأشواقهم وأطماعهم, وأحياناً نذالتهم, إنسانية قومية؛ قابلون للسقوط, أحياناً لأنبل الأسباب؛ فيهم الشهامة والاستعداد للتضحية جنباً إلى جنب مع الصَّغار والأنانية؛ بينهم الأشرار والطيبون, وقد تجتمع الخصلتان فى نفس واحدة. وكما يرى فيهم الكاتب طبائع النفس البشرية, فإنه يراهم أيضاً فى سياق جماعي, كنتاج لتراكم تاريخى وقدَر جغرافى وظلم اجتماعى رسم لهم ملامح قومية وطبقية بقدر ما فى كل واحد منهم من تفرُّد وبصمة شخصية.
أحمد عبد الله كاتب ناضج ودراماتورج محترف خرج من الحى الشعبى ليقدم للمشاهد دراما حرّاقة, مثل طبق الكشرى بالشطة, تبكيه بحُرقة فى التراجيديا وتضحكه من قلبه فى أعماله الكوميدية. وكوميدياته ليست مُسِفة, كما أن أعماله المأساوية ليست ميلودرامية, لأنها, كما أسلفنا, ترسم بشراً مثلنا فيهم ما فينا من قبح وجمال.. ومن مصرية.