فجر مشروع القانون الخاص بالإفتاء أزمة جديدة بين الأزهر والأوقاف فيما يتعلق بمن له حق الإفتاء حيث رأي الأزهر أنه ودار الإفتاء الأحق فقط.. الأمر الذي دفع وزارة الأوقاف إلي الاعتراض علي القانون ومطالبة أن يكون لأئمة الأوقاف الحق مثلما للأزهر في الإفتاء.
والحقيقة أن الأمر علي غير ما أثير من أزمات فأزمة الإفتاء والفوضي المشهودة والحادثة تأتي من وجهة نظري في إطار الفوضي العامة أي الفوضي التي سميت بالخلافة والتي يراد من خلالها إعادة تشكيل العالم العربي علي المسطرة الأمريكية وعلي القالب التي أرادته لنا أمريكا. وعلي ذلك ظهر أولئك الذين لم يقرءوا في كتاب الله كلمة ولم يعرفوا عن حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم فكرة. وملأوا الفضائيات ودخلوا علينا من كل منفذ ثم كرموا. ولقبوا واستقبلوا وكل ما جعل لهم حيثية وهم بلا حيثية وسقط في براثن هؤلاء بعض المتعلمين بإغراء هنا وإغراء هناك.
إذن ليست هناك مشكلة حقيقية والمشكلة مصنوعة وبالتالي فأي قانون لضبط هذه الفوضي لن يفلح أبداً وعلينا أن نعالج المشكلة ان أردنا من خلال أسبابها الحقيقية وجذورها وليس ظواهرها.
وإذا كان كشف المتحدثين في الدين الذي قدمه الأزهر وقدمت مثله الأوقاف والإفتاء عدة مرات فشل فشلاً ذريعاً فإن مثل هذا القانون لن يفلح لعدة أسباب أخري بعيداً عن الفوضي المقصودة.
من هذه الأسباب أن الإفتاء للناس يتعلق بضمير وورع المفتي وكذلك ضمير وورع المستفتي فالمفتي أي العالم المتخصص الحقيقي لا يفتي إلا بما يعلم وان جهل اجتهد في توجيه المستفتي إلي من يعلم أو قام باستفتاء من يعلم ليخبر بهذا العلم من استفتاه.
ثانياً: ان الإفتاء يختلف في موضوعه اختلافاً شاسعاً فهناك من الموضوعات من يحلها إمام المسجد وهو الأقرب إلي الناس والمتعامل معهم يومياً وهناك من الموضوعات ما يحتاج إلي لجنة الفتوي بالأزهر أو فرد إفتاء في دار الإفتاء وهناك من الموضوعات ما يحتاج إلي مجمع البحوث وقد يحتاج إلي تعاون عدة مجامع بحثية وهناك من الموضوعات ما تفصل فيه هيئة كبار العلماء.
أما من ناحية الجهة فإن أقرب العلماء إلي الناس إمام المسجد وإمام المسجد تخرج في كلية الشريعة أو الدراسات الإسلامية أو أصول الدين وكلها جهات يستطيع خريجها أن يحل مسألة في فقه العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج خاصة الأمور البسيطة فلا نحتاج للجان إفتاء أو علماء متعمقين وهنا فلا حرج علي الإمام أو واعظ الأزهر أن يتحدثا فيها خاصة وهما الأقرب إلي الناس.
أما القضايا الأخري التي تحتاج إلي جهد واجتهاد وحلول مبتكرة تحافظ علي مصالح الناس بما استجد فيها وتيسر للناس أمورها فإن مجالها التخصصات الدقيقة والإفتاء الجماعي لكن الأهم فإن الأزمة ستظل قائمة والعابثون بعقولنا لن يرتدعوا إلا إذا عالجنا المشكلة من جذورها.