الجمهورية
لويس جرجس
صور من بلدي - المبدعون لا يموتون
فقدت الساحة الثقافية والفنية المصرية في يوم واحد من الأسبوع الماضي. اثنين من كبار مثقفيها وفنانيها. اللذين ساهما في إثراء الثقافة والفن المصري بما قدماه له من تجديد وتنوير. بغض النظر عن حظهما من الشهرة التي نالها كثير غيرهما. فقد رحل يوم 30 يونيو الماضي الموسيقار ميشيل المصري عن 85 عاماً. والباحث في التراث الشعبي عصام ستاتي عن 54 عاماً.
ظل الأول لعشرات السنين يعزف ويؤلف الموسيقي ويتولي توزيعها لكبار المطربين والملحنين. إلا أن شهرته الجماهيرية بدأت في 1987 مع ما ناله المسلسل التليفزيوني ليالي الحلمية. من انتشار واسع. حيث وضع لحن البداية والنهاية المميز من كلمات سيد حجاب وغناء محمد الحلو. وفي العام نفسه أبدع ميشيل المصري تتر البداية والنهاية للجزء الثالث من المسلسل الديني التاريخي لا إله إلا الله. من كلمات فاروق شوشة وغناء إيمان الطوخي. فكانت له بصمته الخاصة المختلفة عن تتر الجزءين الأولين.
وعلي نفس الدرب سار الراحل الشاب عصام ستاتي. حيث ظل عشرات السنين يبحث وينقب ويكتشف كل يوم جديداً في تراثنا الشعبي. كما ظل وفياً لمسقط رأسه. السويس لا يغادرها إلا قليلاً. ثم بدأت الشهرة تسعي إليه في أوساط المثقفين مع توالي إبداعاته المنشورة في إصدارات الثقافة الشعبية. "السمسمية بين الواقع والخيال". و"ليالي الفطام". و"مقدمة في الفولكلور القبطي". و"اللغة المصرية الحالية". وشم النسيم. أساطير وتاريخ وعادات وطقوس". حتي آخر مؤلفاته التي بشرنا بصدورها قبل رحيله بأيام. وهو "القلزم بين حقيقة التاريخ وأسطورية الإبداع السردي".
شخصياً. عرفت أعمال عصام ستاتي في السنوات الأخيرة حينما شاركت في تحرير صفحة "أجراس مصرية" بالجمهورية بين عامي 2014 و2017. وأثناء البحث عن مواد تصلح للصفحة. صادفت كتاب "مقدمة في الفولكلور القبطي". شدني العنوان وجذبني هذا التعمق في التراث المصري. واقتنعت بتأكيد الباحث عن وحدة الأدب الشعبي الديني المصري. لأنه ينهل من منهل واحد هو الوجدان المصري. ولأن المعتقد الشعبي في مصر موجود وسابق علي المعتقد العقائدي. والثقافة الشعبية المصرية مستقاة من نموذج أقدم من النموذجين العقائديين المسلم والمسيحي. وهكذا يثبت الباحث أن "موضوع الأدب الشعبي الديني الذي أنتجه العقل الجمعي المصري من خلال الموالد "إسلامية ومسيحية" هو سير القديسين والأولياء. وهو وإن كان يختلف فيما يتعلق بالشخصيات التي يروي سيرتها "أولياء الله والقديسين". فإنه يشترك في اللفظ واللحن لأنه في الحالتين لم يخرج من فراغ بل خرج من عباءة الأدب الشعبي المصري بشكل عام".
ويعطي مثالاً توضيحياً بأغاني الأطفال. ويقول "لو تحدثنا عن نص شهير مثل "واحد اثنين سرجي مرجي". ورأينا التركيبة التي يتكون عبرها النص سنعرف دلالات كثيرة. فالسرجي هي مهنة أدخلها الشراكسة إلي مصر. وهو السركي الذي يسجل فيه بيانات العمال قبل دخولهم للعمل في المزارع. وكان الشركسي ينادي علي المشرف "الخولي" واحد اثنين فيقول الخولي سركي "تم تسجيلهم". فيقول الشركسي مرجي "أدخلوا إلي المرج أي إلي المزرعة للعمل". ثم حول المصريون العبارة للسخرية من طابور تسجيل البيانات. وتلقفها فقراء الأطفال المسيحيين وأصبحوا يرددونها وهم يأخذون المعونات من الكنائس. وحولوها إلي سرجي للإشارة إلي أبي سرجة "القديس سرجيوس" ومرجي "مارجرجس". ولكي يشاركهم أطفال المسلمين لعبهم أضافوا "نفسي أزورك يا نبي...."".
رحم الله الراحلين الكبيرين مقاماً بما قدماه للفن والثقافة المصرية من أعمال خالدة.
لقطة:
مرت منذ أيام الذكري التاسعة لوفاة واحد من أساتذة الصحافة الذين تخرجت علي أيديهم أعداد كبيرة من الصحفيين المهنيين. هو الأستاذ عدلي برسوم. الذي بدأت مشوار الصحافة وهو استاذ كبير. يأخذ بيدي بتواضع الواثق بذاته. فيوجهني إلي الصواب دون تجريح. ولكن باقتراح من عنده بالأفضل. وكل مرة يسألني بتواضع جم "إيه رأيك مش كده أحسن؟".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف