مدبولي عثمان
رموزنا الفكرية وجريمة الصمت
من هو عبد الوهاب المسيري؟ لو طرحنا هذا التساؤل عليپعينة عشوائية من المتعلمين المصريين . تضم مئات من الشباب والشيوخ والرجال والنساء يا تري كم ستكون عدد الاجابات الصحيحة؟ جال هذا التساؤل بخاطري بمناسبة الذكري العاشرة لرحيل هذا المفكر الكبير الذي لقي ربه في 3 يوليو 2008 عن عمر يناهز 70 عاما واتصور أن الإجابات الصحيحة لن تزيد علي أصابع اليدين . وستكون هناك شطحات من البعض لتؤكد أنه لاعب كرة أو أحد الفنانين أو الممثلين.
پأما الإجابة الصحيحة پفقد جاءت في كتاب "عبد الوهاب المسيري: مفكر القرن الخالد" لمؤلفه سلمان بونعمان يقول فيها:پكان الرجل صاحب رؤية فلسفية حضارية تؤمن بتعدد أبعاد مشروع التأسيس الحضاري مما جعله يؤسس مشروعا فكريا تجديديا فيما يتعلق بالإنسان الذي دافع عن إنسانيته في كثير من مؤلفاته بالإضافة لأثره التجديدي في الفكر الإسلامي- الإيماني. وصقله للهوية الإسلامية بفلسفة عميقة.. ويواصل بونعمان شرح رؤية المفكر المسيري والتي اعتقد أنه لم يطلع عليها إلا قليلون قائلا: "شكل المسيري من خلال فلسفته حالة متميزة وفريدة في تاريخ الفكر العربي والإسلامي المعاصر حالة ترتقي إلي حد الاستثنائية ليس فقط بالنظر إلي شمولية اهتماماته المعرفية في مجالات الأدب والنقد وفلسفة التاريخ والعمل الموسوعي والترجمة ولكن بالنظر أساسا إلي أصالته الإبداعية في مجال التنظير الأكاديمي والاجتهاد المنهجي والتجديد الاصطلاحي والمفاهيمي".
وإجابة صحيحة أخري أوردها ممدوح الشيخ في كتابه "عبد الوهاب المسيري: من المادية إلي الإنسانية الإسلامية" ويقول فيها: الكتابة عن پالدكتور عبد الوهاب المسيري مهمة صعبة لأنه عالم شديد الاتساع والثراء حتي أنه يكاد يكون صاحب مشروع متكامل لإعادة تأسيس العلوم الإنسانية وفق رؤية عربية إسلامية بعيدا عن تراثها الضخم الواقع في أسر المركزية الغربية.
أما العلامة المميزة لمسيرة المفكر المسيري فتتمثل في موسوعته القيمة "اليهود واليهودية والصهيونية.. نموذج تفسيري جديد" والذي تفرغ وعكف علي انجازها لمدة 25 عاما.
وبدأ المسيري فضح الصهيونية مبكرا وهو يبلغ من العمر 27 عاما پبإصداره عام 1965 كتيبا صغيرا عن الصهيونية باللغة الإنجليزية بعنوان "إسرائيل: قاعدة للاستعمار الغربي" ثم اصدر عشرات الكتب والدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية واختتم حياته بالموسوعة وخلص فيها جميعا إلي أن إسرائيل مشروع استعماري عنصريپوأنها إلي زوال مثل النظام العنصري في جنوب إفريقيا مما جعله واحدا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيوينة والمعادين لها ايضا الأمر الذي عرض حياته للخطر بسبب تهديدات بالقتل من جانب جماعة الارهابي مائير كاهانا والاعتداء علي مسكنه في أمريكا وسرقة مكتبته ومسودات كتبه ودراساته.
ذكري وفاة هذا المفكر الكبيرپوالمئات من أمثاله من رموزنا الفكرية والعلمية تمر في صمت غير مبرر من جانب مؤسساتنا العلمية والتعليمية والإعلامية والثقافية وأري أن هذا التجاهلپجريمة في حق الأمة بأسرهاپلأن الاهتمام بالمفكرين وبأفكارهم كفيل بحل الكثير من مشاكلنا.