محمد درويش
نقطة في بحر - خدعوك فقالوا.. الأرقام لا تكذب
نقطة في بحر
»الأرقام لا تكذب»
مقولة نحفظها عن ظهر قلب ونلقيها في وجه كل من اعترض علي رؤيتنا في أي مجال اقتصاديا كان أو اجتماعيا أو حتي رياضيا.
سلَّمت مثل غيري بهذه المقولة حتي ريعان الشباب عندما وقف الدكتور عبدالرزاق عبدالمجيد وهو نائب لرئيس الوزراء للشئون الاقتصادية والمالية ووزير التخطيط من مايو ٧٨ إلي مايو ٨٠ حيث عين وزيرا للمالية حتي فبراير ٨١ .. وقف يقسم أمام البرلمان ان الميزانية كسبانة.
كانت مصر في أزمة اقتصادية بدأت مع اثر الحروب المتوالية التي دخلتها من ٥٦ الي ٧٣ ففي خلال ١٦ عاما كان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وجل الميزانية للمجهود الحربي فإذا بها تكسب في نهاية السبعينيات علي لسان د. عبدالمجيد.
مضت أربعة عقود والاقتصاد الذي لم تجد معه المسكنات وعمليات »تلبيس طاقية ده لده» لم تفلح. في انقاذه، وبدأت عمليات اقتحام جريئة في السنوات الأربع الاخيرة في محاولة لضخ الروح في جسد أنهكته سياسات خاطئة منذ الانفتاح الاقتصادي السداح مداح علي رأي أستاذنا احمد بهاء الدين ـ مرورا بالخصخصة الي مشروع مثل توشكي لم نجن من ورائه ما وعدونا به عندما ألقي فيه مليارات الجنيهات ليذكرنا بمشروع الوادي الجديد في الخمسينيات والترويج له بالقوة الناعمة منها فيلم زوجة من باريس وهي مدينة تقع علي بُعد أربعين كيلو مترا من الخارجة عاصمة الوادي.
طوال هذه العقود والحال كل يوم من سييء الي أسوأ، وبدأ بريق الامل مع مشروعات قومية وإجراءات اصلاح اقتصادية خرجت الي النور في السنوات القليلة الماضية.
وينتظر سواد الشعب أن يجني ثمار ما يعدونا به في المنظور القريب.
ونأتي الي بيت القصيد، وهي تصريحات محمد معيط وزير المالية الاخيرة والتي أعلن فيها أن ميزانية العام الجديد ستحقق فائضا يصل الي مائة مليار جنيه، يستخدم في سداد جزء من فؤائد خدمة الدين وهذا الفائض لم يحدث من ١٥ عاماً حيث زادت الايرادات عن المصروفات بنحو٤ مليارات جنيه.
ولا أدري هل هذا الفائض هو الناتج بعد سداد أقساط الديون وخدمتها المتمثلة في فوائدها، أما أن الفائض بعد ذلك وأيضا بعد توزيع وزارة المالية مستحقات الوزارات والهيئات الحكومية التابعة طبقا لاحتياجاتها كما أرسلتها الي وزارة المالية أو حتي جزءا منها علي الاقل تفي بالرواتب والحوافز والمكافآت.
وحمدت الله أن السيد معيط لم يحذ حذو قرينه عبدالرزاق عبدالمجيد وخرج ليقسم أن الميزانية كسبانة.. نعم ربما الارقام لا تكذب ولكن من يوجهها مثل المحاسب الضريبي الذي يستطيع بالارقام أن يجعل شركتك خسرانة وربما تنال الاعفاء من سداد الضرائب ودفاترك في الخزينة السرية تقول إنك كسبان وبأضعاف مضاعفة عما توقعت أو خططت لعامك المالي.
الأرقام لا تكذب.. نعم.. اذا من الذي يكذب؟