الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية كومباوند.. أو جيتو!
تزعجنى كثرة ظاهرة الكومباوند فى بلادى.. أكاد أراها صورة أخرى للجيتو اليهودى الشهير. أو ربما هى مثل المستوطنات الصهيونية.. لأن سكانها يخشون ممن حولهم.. ويرون أن الأسوار «ونظم الأمن الداخلى» تحميهم وهو نظام يهودى حيث إنهم يحتمون بأنفسهم، وبالأسوار وكل نظم الحماية.. هكذا هى أحياء اليهود فى كل أنحاء العالم.. والتعبير موجود تحت اسم «حارة اليهود».

واليهود المصريون لم يشذوا عن باقى اليهود.. إذ يرون فى تجمعهم ما يحميهم عمن حولهم.. فقرروا العزلة أسلوبًا للحياة..رغم أن مصالحهم تقتضى بالضرورة التعامل مع كل المجتمع.. إلا فى السكن.

والمصرى- على مدى تاريخه- يحتمى بالمصرى.. كتفه بكتفه.. وباب الحارة يحمى الكل، وينامون متجاورين، ولذلك كانت بيوت الحارة متلاصقة يمكن أن يقفزوا من سطح إلى آخر.. دون عائق.. ولذلك عاش المصرى الأصيل فى الحارة المصرية، وأيضًا فى القرية المصرية.. وكان الواحد منا يفخر إذا رأى واحدًا من أبناء الحارة فيقول: ده ابن حارتنا ولم يكن يعاكس أى بنت من بنات الحارة.. أو يجرح أى سيدة.. وكان يفرح لفرح الجار، ويحزن بل ويبكى عندما يبكى هذا الجار.

<< الآن تفسخت العلاقات، وانقطعت منذ تركنا الحياة داخل الحارة.. وهجرها معظمنا ليعيش فى الضواحى الجديدة.. وربما لا يعرف الواحد منها أحد سكان العمارة التى تجمعه به.. فما بالك من عدم معرفته بأبناء الشارع.. أو الحى، وزادت العزلة عندما عرفنا نظم «الكومباوند» سواء السكن فى عمارات مجمعة.. أو فى فيلات متلاصقة.. أو يفصل بينها شريط رفيع من حديقة.. بل ونسمع عن تعليمات الأسرة لأولادها بألا يختلطوا بأبناء الأسرة المجاورة لهم، فى الفيلا.. أو العمارة.. وكل ما يهم الكل هو السور الذى يحيط بالكومباوند.. ونظام الأمن الداخلى الخاص به.. هنا تفسخت العلاقات تمامًا.. وربما يلتقى الواحد بجيرانه فى هذا النادى الخاص ولا يعرف بعضهم بعضًا.. وبالتالى لا يحزن لحزنه.. ولا يسعد لفرحه.. هنا نقول على المجتمع السلام.. وننسى هنا وصية رسولنا الكريم عليه صلوات الله عندما أوصانا بسابع جار.. حتى قال البعض إن الجار يمكن أن يشارك فى الميراث.

<< كل هذا نسيناه.. وأصبح التعبير السائد (صباح الخير يا جارى.. انت فى حالك وأنا فى حالى).. وتلك أولى علامات ضعف معنى الوطن والوطنية أى تفسخ المجتمع.

وربما يكون سبب ذلك الأحداث والثورات والقلاقل التى عاشتها البلاد مع ضعف قوى الأمن الرسمية التى صاحبت تلك الأحداث أياماً ولكننا نسينا مع كل ذلك أخلاق الحارة.. والاستقواء بابن الحارة التى كانت هى «عزوة كل المصريين».

وأخشى على وطنى من كثرة هذه الكومباوندات.. وحتى وإن كانت تحقق أمن المجموعة.. إلا أنها تدمر كل ما بقى فى حياتنا من أخلاق الحارة.. وسلوكيات ابن الحارة.

<< والنبى بلاش حارة اليهود الجديدة.. المسماة عصريًا باسم: الكومباوند!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف