فى مواجهة تليفزيونية منذ سنوات، كنت مع قطب تليفزيونى فلسطيني، ومعارض كبير، كان الكل يخشاه، ولا يعرفون مركز قوته، ولأنه كان سليطاً جداً، وشعبويا بلا حدود. ولكنى لم أكن أخشى أحداً، لأننى أتكلم بالأصول، وبعيداً عن أى معسكر، مهما تكن قوته ونفوذه، وكانت المناقشة حول السلام والدولة الفلسطينية.

وبعد الانتهاء من المناظرة، ونحن فى طريق العودة إلى الفندق، بادرني- الأخ الفلسطينى المعارض المقيم فى لندن- بسؤال: هل تتصور أنه من الممكن أن تقام دولة فلسطينية حقيقية، بعيدا عن الشاشات؟

قلت له يجب أن تكون أنت، وزملاؤك الفلسطينيون، أكثر الناس تحمساً للدولة العتيدة المرتقبة، وأن تسعوا لإقامتها بكل السبل والوسائل، فالدولة لا تقام على أكتاف سلطة أو مؤسسات أو مجتمع دولي، لأن الدولة محورها الشعب، وهو يبحث عن كيانه ومستقبله، وأنتم الفلسطينيون، ومن خلفكم العرب، تحاربون العالم، وعدواً شرسا قويا ومحصنا بكل الوسائل، والأسلحة، والعلوم الحديثة، ولن تنتصروا عليه عسكريا ولكن تنتصرون سلمياً، وسوف تنتصرون لأنكم أصحاب الحق، والحق لا ينهزم حتى لو انهزم بعض الوقت، والمعتدى دائما أو المغتصب، يعرف ذلك، فهو دائماً فى الموقع الأضعف، رغم تظاهره بالقوة الظاهرية، وحتى لو كانت القوة معه بالكامل، ومع فريقه، ويحظى بالنفوذ العالمي، وتسانده الرشاوى، ويدعمه من خلفه الطامعون والمتطلعون فى كل خطواته، ويتآمرون على أنفسهم من أجل بقاء سلطتهم، وتأخير قيام وتحرير فلسطين. أما أنا، فابن فلاح مصرى يحب فلسطين، ويتطلع لقيام دولتها، ولكنى لن أكون مثلك أكثر إيمانا بدولتك ومستقبلها ومصيرها، فيجب أن يكون الفلسطينى مبادراً ومتسلحاً بكل قيم الصراع السلمى والدبلوماسى والسياسى لقيام فلسطين، ولا ينتظر الآخرين بأن يقوموا بقراره، أو يتحملوا مسئولياتهم تجاه الدولة، نيابة عنه، لأنكم بهذه السياسة سوف تجعلون شعبكم يدفع ثمناً كبيرا وفادحا، وسوف تتأخرون وسيكون الضحايا من الأجيال الفلسطينية التى تنتظر عودة الحق السليب فوق الطاقة.

ولذلك فأول أعداء الحق الفلسطينى هم الفلسطينيون أنفسهم الذين- بعد سنوات كبيرة تحت الاحتلال- أصبحوا لا يتصورون أنفسهم قادرين على هزيمة عدوهم، ومعركة السلام والتفاوض أخطر وأصعب من الحروب بل ومن الانتفاضات والثورات، فهى تحتاج إلى حشد الطاقة الفلسطينية بالكامل بلا انقسام ولا خوف من التفاوض، وبلا ضعف بل بيقين بأن الحق سوف ينتصر، وأن عدوهم،أو مغتصب الأرض، هو أول من سيسعى لإرضائهم، وتحقيق طموحهم، ولكنه الآن يتعايش ويستفيد من الوضع الراهن، ويعرض سداد الحق مستقبلا بسبب الخوف الفلسطينى من السلام كما يستفيد من الانقسام، ومن استخدام القضية الفلسطينية بين الفلسطينيين فى المزايدات السياسية والدينية. والفلسطينيون يعرفون أن كل أرضهم تحت الاحتلال منذ أكثر من نصف قرن، ولن يخسروا شيئاً فى التفاوض بل سيحرجون العالم وإسرائيل والمجتمع الدولي، ويضعونهم أمام أنفسهم، باعتبارهم ضعفاء يرفضون الحل والتسليم بالحقوق، وتأخير ذلك ضار بالفلسطينيين وقضيتهم ويعطى عدوهم فرصة لتصفية القضية وتحويل اللاجئين المؤقتين إلى مواطنين دائمين، أينما كانوا. وهذا هو أخطر عدو لصفقة القرن، ونحن نريدها قبل المحتل لأنها فى مصلحتنا وتأخيرها يؤثر على مستقبل القضية، وعلينا الآن أن نذهب للمفاوضات متسلحين بالحق واثقين من الانتصار بلا انقسام ولا مزايدات وأقول لمن يرفضها أولاً وكأنه بطل لا يقبل بالمساومات إنه أول من يخدم المغتصب، وأول من يخدم العدو ويضر بالقضية الفلسطينية. أما ثانى الأعداء فهم شركاؤنا الإقليميون ومن يستخدمونهم كالإيرانيين الذين يلعبون بالقضية الفلسطينية منذ سنوات، ويستخدمون قطر وحماس وقد صنعوا انقساما فلسطينياً خطيراً، استفادوا به لمصلحتهم القومية، ومن خلفهم الأتراك ومعهم المحتل، وكل هؤلاء تسببوا فى تعطيل الحقوق الفلسطينية المشروعة. أما القدس فهى عاصمة لفلسطين أو مدينة لكل الأديان ويجب أن يستدعى الفلسطينيون العالم الإسلامى والعالم المسيحى للتفاوض حول زهرة المدائن، ولا يسلموا أنفسهم للتفاوض نيابة عن أصحاب الحقوق من المسلمين والمسيحيين فى كل أنحاء العالم.

أما ثالث أعداء الصفقة أو من يتآمرون على الحق الفلسطينى فهى التيارات المتأسلمة التى سلمت نفسها للغرب وإسرائيل، على أنها هى القادرة على التفاوض معهم حول مستقبل فلسطين ودولتها، فى ظل مساومة تاريخية، تقبل بها أمريكا والغرب بحكم الإسلاميين لفلسطين والأقطار العربية الأخرى وهم فى الحقيقة يسلمون الأرض والمستقبل، بل والقدس لإسرائيل. لو كان السادات، عليه رحمة الله، خاف من التفاوض، لفشل فى الحصول على الأرض قبل أن يبدأ، فلا تخافوا فالمقدمات الحالية تساعد الفلسطينيين للوصول إلى حقوقهم ومخاوف إسرائيل والغرب من التأخير أكبر من المخاوف الفلسطينية، فلا تخافوا ولن تخسروا شيئاً، وعلينا أن نبدأ بالبحث عن حقوقنا، وعن مستقبل شعبنا الذى طال تشريده، وتشتيته فى الأرض فصار بلا أرض ولا مستقبل، وقد أصبحت قضية فلسطين تئن، وتبحث عن بطل بل أبطال يبدأون صراعاً سياسياً ودبلوماسياً لا يتوقف من أجل قضية عادلة ومستحقة للانتصار.