أحياناً.. لمن يمتلك الوقت.. نجد أن تتبع الإنسانيات في اهتمامات الفضائيات.. مضاف إليها ما قد تحفل به وسائط الاتصال الاجتماعي.. يزيد من الاطمئنان داخل الفرد.. علي أن حركة المجتمع.. تسير دائماً إلي الأمام.. حتي لو حدث بعض التعثر.. وربما التوقف. وإن كنت أظن أن الجهل بما يحدث أو صعوبة الاكتشاف.. المناسبة مبادرات متعددة.. قد تبدو صغيرة.. منفردة.. شمعة تضيء علي استحياء لبعض الوقت.. رغم أننا لو أعملنا العقل فيها.. لوجدناها مضيئة.. بما يشبه الشمس في يوم بلا سُحُب أو غيوم.. أتحدث عن سلوكيات "بِكْر" قد لا تلمحها العين. وربما لا يقدرها القلب.. ولكن إذا استنفرنا كنز الخير بداخلنا.. لانطلق المارد.. وعاد صمام الأمان.. قوياً يحافظ علي واجب وتقليد.. ابتكره الأجداد.. ونقلوه لنا مع التوصية والاهتمام. ولكن.. وأفترض حُسن النية.. لم نحافظ علي استمرارية المطلوب. تراجعت هذه التقاليد والسلوكيات مع الزحام والتكدس.. وصعوبة الحصول علي فرصة عمل.. أو تلبية الاحتياجات اللازمة للنمو الإنساني.. وبالتحديد التكلفة العالية للحصول علي مسكن وتوفير متطلبات أسرة.
ما طالعته.. يندرج تحت بند التنوع.. يرتبط بإحساس مرهف من الشخص صاحب المبادرة بمسئوليته المجتمعية تجاه من يتلقي الخدمة.. ولا تتعارض في تقدير الكثيرين مع خطة الحماية الاجتماعية التي تمضي فيها الدولة بخطي واثقة وواسعة.. وتتركز أساساً في معاشات الضمان الاجتماعي. وتكافل وكرامة.. ثم المبادرات الموجهة للمرأة المعيلة وشباب القري الأكثر فقراً.. وقاعدة المستفيدين بخدمات بنك ناصر الاجتماعي. وقروض المشروعات الصغيرة.. لأن ما طالعناه علي الفضائيات وصفحات الفيس بوك تتميز بالدخول مباشرة في المنحة المتصلة بمجال عمل ونشاط هؤلاء الأشخاص.. وعلي سبيل المثال.. مطعم الفول والطعمية.. الذي يقدم السندوتش لتلميذ المدارس المجاورة نظير جنيه فقط.. رغم أن المحلات الكبري والصغري رفعت السعر من 3.5 : 5 جنيهات.. "ناهيك عن أسعار حملات التيك أواي والفنادق وضرائبها".. وهناك مطعم آخر في قلب مدينة أكتوبر. يقدم مبادرته بشياكة. الزبون يستطيع أن يترك قيمة سندوتش أو أكثر بجوار ماكينة الحساب.. لصالح مواطن آخر مجهول.. يمكنه الحضور وسحب ورقة من أوراق السندوتشات المسددة مسبقاً ليحصل علي طلبه بكرامة وبدون إحراج.. وتمتد طيبة القلب بداخلنا إلي أناس يعيشون بيننا يرفضون الإعلان عن أنفسهم.. أحدهم يخصص منزله لاستضافة البشر القادمين من الأقاليم للعلاج بواحد من كبري المستشفيات.. وليكونوا بجوارهم في ساعات الانتظار.. وآباء أعرف بعضهم.. يذهبون إلي مدارس الأبناء باحثين عمن لم يسددوا المصروفات.. أو لم يشتروا بعد الزي المدرسي.. يتركون المستحقات لدي الإدارة.. ويحرصون علي ألا تعلن أسماؤهم.. لأي سبب من الأسباب.. وهناك المدرسون النبلاء الذين يبحثون عن الطلاب الفقراء الضعاف في الاستيعاب.. يسجلونهم في مجموعات التقوية.. ويدبرون لهم الكتب الخارجية والمعونات.. وهناك السيدات الفاضلات اللاتي يخصصن جهودهن الاجتماعية والمادية في مساعدة نزلاء دور الأيتام والرعاية الاجتماعية.. ويتكفلن بالكثير من المصروفات.. بدءاً من الإعاشة.. وحتي نفقات الزواج.. ولا ننسي بعض أطبائنا الكبار الذين لا يتمسكون بروشتة عالية السعر.. بل حافظوا علي أسعار الستينيات. ومنهم من يقدم الدواء مجاناً.. أو حتي يتبرع بأجره المستحق عن العمليات.. وشخصياً أعرف مواطنين بسطاء.. نذروا وقتهم للعمل الاجتماعي الحقيقي.. بدءاً من توفير فرص عمل للفتيات الفقيرات ومنح من تريد ماكينة خياطة أو تريكو.. وخصصوا في مبني الجمعية التي يديرونها.. مطبخ يتلقي الخضر والفواكه واللحم.. تبرعاً. ثم يطبخونها وجبان شهية تذهب إلي بيوت هؤلاء الذين تحت مظلة "تحسبهم أغنياء من التعفف".
ومما لا شك فيه أن هناك مبادرات وأمثلة عديدة.. لم تصل لعلمنا.. أو حتي الفضائيات والتواصل الاجتماعي.. ولكن الغوص في أرضنا الطيبة.. يؤكد أننا شعب مؤهل بحكم التاريخ والحضارة. والسلوك القويم.. مؤهل للحماية المجتمعية المغروسة في المصريين جميعاً.. واسمحوا لي بالتذكير بما يحدث من سلوكيات في رمضان الكريم.. لن نتحدث عن موائد الرحمن التي يتبناها فئات متعددة من ناس مصر.. ولكن تعالوا إلي القرية. منبع الخير.. الذي فاض متواصلاً إلي الأحياء الشعبية بجميع مدن المحروسة.. وأذكركم بعادة يحرص عليها الفلاح وأسرته.. في انتظار عابر سبيل.. يضع وجبة الإفطار.. بالزيادة علي المصطبة أمام الدار.. ويكلف الابن الأكبر بالذهاب إلي خارج القرية.. للتنافس علي استضافة القادم المجهول.. ولا ننسي ما نراه نحن سكان العاصمة من ممارسات شبابية إيجابية.. قبل الإفطار لمنح مستخدمي الطريق.. البلح واللبن.. ووجبة خفيفة حتي عودته لأسرته.. نعم.. "الخير في وفي أمتي إلي يوم القيامة" صدقت يا رسول اللَّه.. "صلي اللَّه عليك وسلم".