الوطن
د. محمود خليل
قطار النقمة
«أردوغان» قرر فصل أكثر من 18.5 ألف موظف فى الأمن والخارجية والشئون الدينية، وغيرها، دفعة واحدة، وذلك إلى جانب إبعاد 199 أكاديمياً. القرار يأتى كجزء من عملية تصفية الحسابات مع العناصر التى شاركت أو دعمت أو أيدت الانقلاب ضده عام 2016. الإخوان يعتبرون الخطوة قمة النصاحة السياسية، فى حين يراها آخرون خسة وديكتاتورية وطغياناً. وبغض النظر عن الجدل المستعر بين الجبهتين، أجد أن حجم الدفعة الجديدة من المفصولين وما تدل عليه هو ما يستحق التوقف. فالرقم كبير للغاية وشديد الدلالة على حجم المعارضة التى تواجه «أردوغان»، فإذا كان هذا العدد الكبير، بما يضاف إليه من أعداد سابقة من الموظفين والمحامين والصحفيين والأمنيين الذين تم فصلهم على مدار سنتين، كانوا يعملون داخل الحكومة والقطاع العام التركى، فمعنى ذلك ببساطة أن دولاب الدولة الأردوغانية خارج سيطرة الرئيس التركى منذ سنين طويلة. وإذا كانت القاعدة تقول إن ما يتم الكشف عنه فى أى مستور لا يزيد على 10%، فلنا أن نتخيل حجم المنغرسين فى مفاصل الوظائف فى تركيا، وكيف أن عشرات الألوف منهم يمثلون جيوب نقمة وغضب على «أردوغان».

الواضح أن «أردوغان» بدأ رحلته مع «انقلاب 2016» بتصفية خصومه المباشرين من العسكريين والشرطيين والموظفين والمحامين وأساتذة الجامعات والصحفيين وغيرهم، فتخلص من عشرات الآلاف بالقتل أو السجن أو الفصل من الوظيفة. الأعداد التى تعامل معها الرئيس التركى بهذه الطريقة تمنحنا مؤشراً عن حجم المعارضة المنظمة أو الممنهجة ضده. والأرقام تقول إنها غير قليلة، ويبدو أنه بعد أن تخلص من هذه الفئة انطلق من دائرة الخصوم الصرحاء إلى دائرة المتعاطفين. وقرار فصل أكثر من 18 ألف واحد منهم فى دفعة واحدة يقول إننا أمام دائرة أشد اتساعاً من المتعاطفين مع الانقلاب الذى واجهه «أردوغان» قبل نحو العامين من الآن. نخلص من ذلك إلى أن هذا القرار العجيب يعبر عن ضعف واهتزاز واتساع خرق المعارضة على عملية «الترقيع الديمقراطى» التى يقوم بها «أردوغان».

الخطوة التى اتخذها الرئيس التركى قبل أيام من تنصيبه بولاية رئاسية جديدة تُلقى بظلال مبررة من الشك على تجربة الانتخابات برمّتها. فما معنى أن يفوز أمس فيتخذ قراراً فى اليوم التالى بخراب بيت 18 ألف مواطن تحت زعم أنهم انقلابيون.. ألم يدرك أنهم من صبيان فتح الله جولن إلا بعد عامين؟!. مؤكد أن الـ18 ألف رصيد جديد من الناقمين على أسلوب وطريقة الحكم، حتى لو تم الزعم بأنها جاءت بانتخابات. فدول العالمين العربى والإسلامى تعرف «الديمقراطية المشغولة» أكثر من معرفتها بالديمقراطية الحقيقية. فى ظنى أن «أردوغان» مخطئ بهذه الخطوة، وأن من يهللون له أو ينقمون عليه يهملون الحقيقة الأهم فى المشهد، وأن الخطوة التى اتخذها لا تعبِّر عن قدرة أو سيطرة أو كفاءة فى التخلص من أذناب الانقلاب الذى حاول أن ينقلب على ديمقراطية «العدالة والتنمية». المسألة عكس ذلك، فالآلاف الذين أقصاهم «أردوغان» عن مواقعهم وراءهم عشرات الألوف، وكل هؤلاء ينضمون إلى «قطار النقمة» الذى ينطلق بسرعة الصاروخ متى تم شحنه، و«أردوغان» دائب فى شحن هذا القطار منذ عام 2016 وحتى الآن.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف