المساء
خيرية البشلاوى
صلاة من وحي الصداقة..
في شهر رمضان الماضي فوجئت بتليفون من نبيهة لطفي وبلهجتها اللبنانية وطريقتها الحلوة في الكلام أخبرتني بأنها داخل تاكسي وفي الطريق لزيارتي في منزلي بمدينة 6 أكتوبر.. وأعطت التليفون لسائق التاكسي كي أشرح له الطريق.. هكذا ومن دون مقدمات وبلا ميعاد. قررت نبيهة أن تخاطر في طريق تقطعه لأول مرة لتزور صديقة قديمة ساقها الشوق لرؤيتها.. ومرت دقائق ليست قليلة وأنا أنتظرها إلي جوار الباب الخارجي. وكنت أتعجل الوقت حتي أراها بعد فترة غياب بعد أن اقتصر التواصل بيننا عبر التليفون كالعادة.
فهذه هي "نبيهة" المدهشة بعفويتها العذبة بمفاجآتها العاطفية التي تفتح القلب أمام مخزون المشاعر والذكريات وتمنحك دون قصد وبسخاء تلقائي آسر نفحات من الحميمية والدفء والوَنس.
في ذلك اليوم كنت مدعوة علي الإفطار عند شقيقتي فأصريت أن نظل سوياً حتي لا أقطع هذا اللقاء الذي جاء من دون سابق ميعاد ولا ترتيب وتواصل الحديث المتشعب المفعم بالحنين إلي زمن مضي فقدنا فيه أغلي الناس وأجمل الأصدقاء الذين كان منهم زوجي الراحل سامي خشبة.
عرفت "نبيهة" عن طريق "سامي" كانا صديقين ثم نمت علاقتنا المستقلة بحكم المجال المشترك الذي جمعنا في مناسبات كثيرة.. وبحكم أشياء أخري مشتركة ربما غير مرئية ولكنها محسوسة فنبيهة قبل أن تكون مخرجة تسجيلية متميزة تمتلك حساسية خاصة "وعين" لاقطة فريدة. فهي إنسانة تمتلك ثراء روحياً نادراً. وحضوراً مشعا رائقاً مشبعاً بالمرح وبالصفاء والألفة إنها روح جميلة تنسي معها أي شيء غير أنك في حضرة إنسانة نبيلة راقية وعلي درجة كبيرة من الوعي بالناس وبالزمن الذي عاصرته وبقيمه الثقافة في التكوين العقلي والإنساني لكل من اختارتهم ليكونوا ضمن عالمها المعنوي والوجداني والفكري.. فقد عاشت عصرها بامتلاء واقبال إيجابي وباستعلاء علي الصغائر. وبشجاعة من لا يعرف الحدود أمام تحقيق ما تؤمن به. وما تتوق إليه. سبقت زمانها وتميزت عن نساء جيلها بإيمان لا يتزعزع بالحرية الشخصية وبالثقة في النفس وفي قدرتها علي اجتياز أي حواجز للتمييز.
سمعت عنها قبل أن أراها. وعرفتها من خلال حكايات رواها "سامي" عنها وكان من بين من اختارتهم كصديق لها ولزوجها الدكتور علي مختار واحد من المثقفين المستنيرين.
الكلام عن "نبيهة" الآن ممزوج بشحنات من الحزن والألم فقد رحلت منذ أيام ولم يعد من الممكن أن نلتقي.
ومن أصعب الأمور أن تكتب عن عزيز ترك الدنيا وخلف بغيابه وحدة وفراغاً من المستحيل أن يملأه سواه ومن المفارقات المبكية وأنا أسطر هذه الكلمات أنني أكتب في يوم الذكري السابعة علي رحيل سامي خشبة "22 أكتوبر 1939 ــ 25 يونيه 2008" فهكذا شاء الحظ وفرضت الظروف أن أجمعهما معاً في مقالة واحدة.. وأن أرثيهاما معاً بقلب مفطور لأن الدنيا لن تكون أبداً مثلما كانت عندما تجد في خريف العمر أن الموت غيب كثيرين وأن الذين رحلوا. وفاتونا من دون وداع في عُزلة داخلية وندم رهيب. علي فرص ضاعت أصبح من المستحيل تعويضها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف