أمال عثمان
أوراق شخصية - عقول مصر النابغة تستحق التكريم من الرئيس
أطلتُ النظر بسعادة لتلك العقول النابغة الشابة، وذلك الحماس والطموح والإصرار الذي رفع أعناقنا إلي عنان السماء، شهدتهم يتحدثون بروح شغوفة واثبة، تركض نحوالمستقبل بخطوات واثقة، مشفوعة بالأمل والحب والتفاؤل، تحدوا كل الظروف والصعاب، ولم يسمحوا لأحد أن يجهض جسد "الحلم" الذي نذروه للوطن، مؤمنين بأنهم قادرون علي تغيير خريطة المستقبل، أتحدث عن فريق شباب نابه حقق لبلده إنجازا علميا غير مسبوق، عمن تقاسمنا معهم وبهم الفرحة والفخر وهم يرفعون اسم مصر عاليا في محفل علمي دولي للشباب، عن طلبة كلية الهندسة بجامعة عين شمس الذين حصدوا جائزة مسابقة Formula Student” " العالمية للجامعات، وفازوا بالمركز الأول في تصميم وتصنيع سيارات السباق بالمملكة المتحدة.
لقد استطاعت تلك العقول الجميلة أن تبني عالمها الخاص داخل جدران الحرم الجامعي، صنع أصحابها الحياة التي ينبغي أن يعيشوها، متخذين من العلم والفكر والمعرفة دستورا لهم، ومن العمل الجماعي وروح الفريق أسلوب حياة، رموا عن قوس واحدة، مؤمنين بأنه ليس المهم من يحرز الهدف، إنما الأهم أن يكسب الفريق كله المباراة، من هنا بدأ 60 طالبا وطالبة الطريق إلي الجائزة العالمية.
صنع فريق كلية الهندسة للسباقات السيارة خلال 10 أشهر بمكونات أغلبها محلية، وبتكلفة وصلت إلي حوالي 500 ألف جنيه، واجهوا صعوبات مالية واصطدموا بقلة الدعم المادي، واصطدموا بارتفاع قيمة الجمارك علي مكونات السيارة المستوردة من الخارج، لكنهم في النهاية تخطوا كل تلك الصعاب، واستطاعوا أن يحصلوا علي جائزة أفضل تكلفة وتصنيع عالميًا في الفئة الأولي، والمركز الثاني عالميًا في سباق "Business Logic »ase" في الفئة الثانية، وذلك في المسابقة التي ضمت 85 جامعة من أكبر جامعات العالم.
ولكن تظل فرحتي منقوصة بما حققته تلك العقول الشابة النابهة، وبأساتذتهم الأفاضل الذين كانوا وراء هذا الإنجاز، طالما أنهم لم يحصلوا علي تكريم يليق بما حققوه من إنجاز علمي علي المستوي الدولي، تكريم يعلي من قيمة ومكانة العلم والعلماء في المجتمع، ويحتفي بالنبوغ والتفوق والاجتهاد، فهؤلاء الشباب هم ثروة مصر الحقيقية، ورأسمالها الأعظم والأبقي، وبغير تلك العقول لن نقوي علي النهوض والنمووالتقدم، وبدون العلم والتكنولوجيا والبحث العلمي لن تستطيع بلادنا أن تنتقل إلي مصاف الدول المتقدمة.
إن الدول يا سادة لا تحقق ثرواتها بما تستخرجه من باطن الأرض، ولا تقيس تقدمها بما تملكه من معادن وحقول نفط وغاز، وإنما بالعقول البشرية المخترعة والمبتكرة والمبدعة، بالثروة الفكرية التي نملكها ونباهي بها الأمم، كما أن الاستثمار الحقيقي ليس في المباني والكباري وناطحات السحاب، ولكن الاستثمار الأنجح والأكثر ربحا في الإنسان، ذلك المورد الذي لا ينضب ولا يتقادم ولا يمكن تقليده أواستنساخه.
لقد شاهدنا الرئيس عبدالفتاح السيسي يكرم المنتخب القومي لكرة القدم وجهازه الفني، ورأينا سيادة الرئيس يمنح الميداليات لأعضاء البعثات الرياضية المحققة إنجازات علي المستوي العالمي، وتابعنا تسليم الأوسمة لعدد من الشباب المتميزين علميا وفكريا في مؤتمرات الشباب، كما التقي شباب المبدعين المشاركين في مسرحية "فتح عينك" وكرمهم، ولكن ألا يستحق أيضا هؤلاء الشباب المبتكر المبدع الدعم والتشجيع؟! ألا تستحق تلك العقول المصرية الشابة تكريما رئاسيا يعيد للعلم والبحث العلمي مكانته التي يستحقها في المجتمع؟!
الأمر المثير للدهشة أن الفريق سبق وحصل علي جوائز في هذه المسابقة العالمية ولكنه لم يحظ بالاهتمام سواء من الدولة أوالإعلام، وقد علمتُ من خلال متابعتي لحوار الإعلامي "أسامة كمال" مع هؤلاء الطلبة المتميزين وأساتذتهم علي شاشة دي إم سي، أن هذا الفريق العلمي تأسس عام 2011، تحت إشراف مجموعة من أعضاء هيئة التدريس والمعيدين في الكلية، وأنه أول فريق إفريقي أوعربي، يفوز بالمركز الأول في سباق “Business Logic” عام 2016، والمركز الثاني عام 2015 وظل يحتل منصة التتويج في عام 2017، وتمكن من المشاركة في ال dynamic events، فأصبحت سيارة فريق هندسة عين شمس تنافس الجامعات العالمية المشاركة في سباق Silverstone الشهير بإنجلترا، وهذا العام فاز بجائزة أفضل تكلفة وتصنيع عالمياً في الفئة الأولي متفوقاً بذلك علي جامعات مثل أوكسفورد، وميونخ وكامبريدج.
إنني أتمني أن يكون هذا الفوز بداية لاهتمام الدولة ورجال الأعمال وأجهزة الإعلام بعقول مصر المبتكرة والمخترعة والمبدعة، وأناشد سيادة الرئيس بأن يحظي هؤلاء الشباب بلقاء معه، ويجد الوقت للاستماع إليهم، وإيجاد حلول للمشاكل والصعوبات التي تواجههم لكي يستمروا في تحقيق المزيد من الإنجازات العلمية علي المستوي الدولي، وأن يحصلوا علي تكريم رئاسي يليق بالإنجاز العلمي غير المسبوق الذي حققه طلبة الجامعة المصرية العريقة بين جامعات العالم.