الأهرام
أسامة سرايا
مصر وجدت نفسها
هزتنى كلمات كاتب أحبه وأحترمه هو الكاتب القدير سمير عطا الله، عندما كتب فى أحد يومياته عن شهر مصر، أقصد يوليو، تحت عنوان: عمَّ تبحث مصر؟، فى صحيفة الشرق الأوسط. وقد أثار عددا من التساؤلات عن حالة مصر، بالذات فى يوليو من كل عام، فهو شهر ثورة 1952، وشخصيا أصبحت أسميه شهر الجمهورية، فهو اليوم الوطنى لمصر، وفيه يحتفل المصريون فى الداخل والخارج بالجمهورية، وثقة الناس بأن لهم دولة، كما أن لهم جيشا يحميهم من أى اعتداء، ومن أى جهة تريد أن تفرض عليهم ما يرفضون. وقد اختبرنا قدرة مؤسستنا وجيشنا على الصمود، وتغيير الواقع فى مواجهة الفوضى ومخططات قوة داخلية وخارجية بالاستيلاء على القرار المصرى والسلطة فى مصر عقب أحداث 2011، ثم صعود الإخوان المسلمين مؤيدين من الخارج بـ(قطر وتركيا وإيران) وموافقة أمريكية وغربية، رأت أن حكم الإسلاميين سيجعل بلادنا طيعة فى أيديهم، وخلال عام واحد اكتشف الشعب ومؤسساته الخديعة الكبري، والتسلط المخيف، فتحرك واستجابت المؤسسات لرؤية الشعب وحدث التغيير الكبير، وعادت مصر التى نعرفها إلى أهلها وشعبها بلا تسلط أو تدخل خارجى فى شئونها من الغرب والشرق من كبير أو صغير. ونحن نحيى كاتبنا سمير عطا الله، ونعرف أنه محب لبلادنا، ونؤكد له أن الحرية فى مصر مكفولة وتعارض الآراء لا يخيف، فهناك جمهوريون متنوعون، ينقسمون بين نجيب وناصر والسادات ومبارك وكل فريق يرى أن هذا الرئيس أو ذاك هو الأفضل أو يستحق النقد.

ومع كل هذا لنا دولة، وجيش يمسك بالبوصلة، ويصحح أى خطأ يحدث بحيادية كاملة، ورؤية متبصرة، ففى الجمهورية الراهنة تم تكريم كل قادة ثورة يوليو، بداية من نجيب، أول رئيس للجمهورية، بإطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى البحر الأبيض بالإسكندرية ثم الضابط المعروف بمنقذ الثورة عندما تحرك مبكراً واحتجز قادة الجيش، (الصاغ الأحمر يوسف صديق)، وقد حصل على قلادة النيل، ويستحقها منذ سنوات كما ودعت آخر الضباط الأحرار الراحلين خالد محيى الدين بتكريم لا يحظى به إلا الرؤساء.

كتب عطا الله مستعينا بالمثل الإنجليزى النصر يتبناه الجميع، ولكن الخسارة لا أب لها! على ماذا تقوم مصر الآن؟ على نبوغ محمد على أم على حضارات الفراعنة، أم على المكانة التى حفرها عبد الناصر فى محاربة الاستعمار؟ وأقول له ومعه إن مصر عندما هزمت فى 1967، كان ناصر شجاعاً وبطلاً، فتحمل المسئولية ولم ينكر الهزيمة، ولكنه رفض الاستسلام وقرر مع ضباط الجيش (محمد فوزى وعبد المنعم رياض) إعادة بناء الجيش وشن حرب الاستنزاف، وقد أوضحت للعدو قبل غيره وللقاصى والدانى أن مصر ليست الدولة التى تقبل بالاحتلال وأنها مصممة على عودة أراضيها وحفظ سيادتها. ولم تكن حرب التحرير١٩٧٣ ضربا من الخيال، بل كانت تخطيطا وعلما من مؤسسة عسكرية، تعاملت مع العدو بكل العلوم والتكنولوجيا المعاصرة والأسلحة الحديثة ومن مؤسسة سياسية قادها الرئيس السادات بعقل واعٍ، وحكمة وتفكير عميق، فالتاريخ لا يذكر إلا المنتصرين. وكان نصر أكتوبر 1973 هو نصر يوليو 1952، فالقوى التى تعادى الجمهورية، كحركة الإخوان المسلمين، كانت تسعي، وتخطط لاستمرار الهزيمة، حتى تصعد كحركة متسلطة، لا تتعايش إلا فى أجواء الهزيمة والانكسار وتخشى الحرية والانتصار. وفى يوليو من كل عام نتذكر تاريخنا، ونبنى عليه، فلم تكن مصادفة أن نحتفل فى يوليو 2018 بإتمام برنامج تطوير الطاقة الكهربائية الذى نفذناه ما بين يونيو 2014 وحتى نهاية 2018 بنحو 5.5 مليار جنيه، ويمد مصر بطاقة كهربائية للصناعة والزراعة والخدمات الأخري، تضيف 25 ألف ميجا وات إلى الشبكة المصرية، بما يعادل 12 مرة من قدرة السد العالي، وهو ما يجعل مصر مركزاً إقليمياً للطاقة، حيث تستطيع تصدير الكهرباء من خلال عمليات الربط إلى الدول العربية كالسودان والسعودية وصولا إلى أوروبا أيضا. مصر التى وجدت نفسها، وردت على أعدائها هى نفسها التى تم اكتشافها من جديد فى السنوات الأربع الماضية، عندما انتهت من تجديد قناة السويس، ثم حفرت قناة جديدة فى عام واحد، وهى تخوض حربا ضروسا مع الإرهاب والتطرف، وهى نفسها التى امتلكت شبكة طرق حديثة تستطيع أن تباهى بها الدول المتقدمة، وفتحت مجالات الحركة والنمو للشعب لكى ينتشر فى ربوع الوطن، وهى مصر التى رفضت المخططات التى كان يرمى لها الأعداء لتخرج من سوق الغاز إنتاجا وتصديرا وهى التى تمتلك محطات الغاز ثم الاكتشافات المتوالية، وبذلك تخطو مصر خطوة مهمة نحو المستقبل لتوفير مستوى معيشى أفضل للمواطنين، واستعادة دورها القيادي، إقليمياً وعالميا. فمصر المعاصرة هى هبة أبنائها، لا يخيفهم الانكسار أو الهزيمة، وهم الذين يعيدون البناء على أسس جديدة.

انتظروا مصر المستقبل فى إنتاج كل السلع والخدمات المعاصرة، قد نبدو كمن يبحث فى اللاوعى عن مخرج من بعض الأزمات النفسية التى نقع فيها، وتتسلط علينا حتى تفقدنا الوعى بعض الوقت، ولكننا سرعان ما ننساها وننخرط فى البناء من جديد، ونخرج من كل كارثة أقوياء، وقادرين على إخراس بعض الأصوات الموجودة بيننا، والتى تعمل على انتشار روح الهزيمة، فينشط الأعداء وأهل الشر، وأصحاب الشائعات والروح الانهزامية. ولكن مصر.. قادرة ومنتصرة بإذن الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف