** عندما تأتي المناسبة.. ويفتح الملف.. مهما كان مستوي الحضور أو مفردات الحوار.. تظهر فوراً مظلة مشاعر تشبه قوس قزح بألوانه المتداخلة عقب سقوط الأمطار.. إنها مزيج من الشجن.. وتأنيب الضمير والحزن.. يحملون معاً رغبة صادقة في التصدي للمأساة.. ونحن نستطيع... إصلاح الحال.. ومسح العار.. لأن الاحصاءيات تؤكد أن هناك شخصاً لا يقرأ ولا يكتب "ربما يستطيع إحدي هذه الملكات بصعوبة" بين كل خمسة في سن 10 سنوات وأكثر.. ونحن إذا أمام حملة قومية يمكنها النجاح بالاعتماد علي الجهود الذاتية.. واستثمار صلة القرابة.. أو دائرة الجوار.. العزيمة هي الأداة الرئيسية.. بعدها الورقة والقلم متوفرة وصولا إلي إدارة الوسائط الإلكترونية "كمبيوتر وأشقاؤه".. بل من حيث المبدأ.. لا أري مانعاً من الاستفادة بالمقهي أبرز الآليات المجتمعية..لنجرب المقهي كمكان للعملية التعليمية محو الأمية.. كما أن لدينا نت كافيه.. مخصصة لتداول خدمة الإنترنت والفيس بوك وتويتر وغيرها لمن لايملكون اشتركاً مباشراً في إنجاز القرية العالمية.
** صدقوني.. علينا ألا نطلب هذه الخدمة.. أو الواجب من الحكومة أو معلميها المهمومين بجبال القضايا.. فالأمية قضية محورية عائلية. ومنتهي العيب أن يزين صالون المنزل شهادات جامعية متنوعة لشباب الأسرة.. في حين أن بعض أعضائها الرئيسيين لايجيدون القراءة أو الكتابة.. فتقتصر متابعاتهم للأحداث علي السماع والمشاهدة التليفزيونية تنحصر دائرة أعمالهم اليومية في ختم حديدي.. صغير الحجم منقوش عليه اسم الشخص يزين به أوراقه المهمة.. ممهوراً ببصمة السبابة.. كما شاهدنا في العديد من الأفلام القديمة..مثل "سي عمر".. حيث يجمع موظف دائرة الباشا أختام الفلاحين ويملأ الكشوف ويلقي إليهم بفتات النقود.. وان كان العديد من الأكابر والموظفين المهمين.. يستخدمون ختمهم الخاص في توقيع الخطابات الصادرة عنهم.. مع "فورمة" خاصة بديلا عن الاسم وغير قابلة للتزوير فيما نعلم.
** الدولة مشكورة خصصت جهازا لتولي المسئولية "الهيئة العامة لتعليم الكبار".. سنت القوانين أصدرت القرارات التنظيمية والتشجيعية.. ولكن الجهود محدودة المساحة.. طويلة الحبال لتعطي الفرصة للتحايل والتباطؤ.. وتركز علي بعض المناطق دون غيرها.. ولم تستفد بالجدية اللازمة بمئات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد.. ضمن عام الخدمة العامة.. الذي يكفي تماماً لمحو أمية الشخص واستقبال آخر قادم.. ورغم الفرمانات التي اشترطت القراءة والكتابة للتوظيف للخدمة العامة.. ورخص قيادة السيارات وغيرها.. فإن التنفيذ لم يأت بالحماس أو الدقة المطلوبين.. الكثير من شعوب العالم احتفل بتوديع آخر شخص أمي.. ونحن ما زلنا في منتصف الطريق بمعدلات عالية تطفو للسطح في وسائل الإعلام خلال اليوم العالمي لمحو الأمية.. والبيانات المتاحة عن عام 2016 تشير إلي نسبة أمية الذكور 14.4% مقابل 26% للإناث.. علي الرغم من الحماس النسائي والمنافسة مع الرجل في التعليم والتأهيل والتدريب.. والتفوق النوعي للسيدات في بعض المجالات.
** لكن الذي يبشر بنجاح هذا النداء لو اتحدت الرغبة الشعبية مع الحكومية.. انخفاض معدل أمية الشباب "15-24 سنة" 6.5% مقابل 57.1% لكبار السن.. وربما البداية ناجحة لو ركزت علي الريف حيث معدل الأمية.. ضعف الحضر.. ومع الروابط العائلية المميزة للقرية.. تتعدد الأماكن المرشحة من المدرسة ودوار العمدة والوحدة الاجتماعية ومركز الشباب.. والمسجد والكنيسة والجمعية الزرعية.. بل الحقول تستضيف الدارسين والمدرسين معاً.. حتي نستطيع تحقيق الحلم مع المحافظات قليلة المعدلات.. ولا مانع من دراسة وإقرار الحوافر المناسبة للدارسين.. مثل إضافة التدريب المهني أو صرف معاش تكافل وكرامة.. أو قروض المشروعات الصغيرة للذين يجتازون اختبار محو الأمية وتنتقل مداركهم من كتاب القراءة الرشيدة.. إلي الصحف والمجلات.. لماذا؟.. ولنفكر جيداً كيف أن معدل الأمية بين المشتغلين بلغ 20% مقابل 4.9% فقط بين المتعطلين.
** ومن المهم أن نلحق بمقالنا تحذير اليونسكو.. في تقريره أهمية القضاء علي عدم تكافؤ الفرص علي مستوي العالم.. الذي أكد أن 20% فقط من الدول توفر تعليماً مجانياً إلزامياً علي مدي 12 عاماً.. ويوجد 264 مليون طفل وشاب لم يتلقوا تعليماً. و100 مليون شاب لايستطيعون القراءة.. منهم 14.8 مليون في مصر.. ورغم الحوافز المعتمدة لتشجيع الآباء لارسال الأبناء للمدارس.. وحمايتهم من التسرب.. والغريب أن تحذير اليونسكو يشير إلي أن 70% من الطلاب أعمار 13-15 عاماً يشعرون بالتحرش المعنوي في مدارسهم.. كما أن أكثر من نصف طلاب الثانوي يعتمدون علي الدروس الخصوصية للوصول لمستويات تعليمية أعلي في عدة دول بينها مصر.. فهل حانت لحظة المواجهة للتخلص من عار الأمية.. وفي أسرع وقت ممكن.. أحسب أن الإجابة لدي الحكومة والمنظمات المجتمعية.. وليس الهيئة العامة لتعليم الكبار وحدها.. فالهمة والعزيمة تحققان المعجزة.