الأهرام
أنور عبد اللطيف
عقدة حب القاتل.. وكراهية كشَّاف المواهب!
تساءل الرئيس السيسى: أين ذهب الكشافون المسئولون عن المواهب، ولماذا لا توجد آلية تمكن الخبراء الأمناء من اكتشاف مواهب الكرة من بين 65 مليون شاب لتقديم فريق قادر على تمثيل مصر فى البطولات الدولية؟

أسعدنى هذا التساؤل الذى جاء خلال برنامج «اسأل الرئيس» فى مؤتمر جامعة القاهرة لأنه يعلى من قيمة الخبراء الأمناء الذين كانوا يجوبون القرى والنجوع والمدارس ومراكز الشباب لالتقاط المواهب، كما أنه يكشف زيف دخولنا عصر السماسرة الذين لا يهمهم تنمية المهارات، ولكن يهمهم خطف اللاعب الجاهز وتحقيق الربح المضمون إيمانا منهم بأن «شراء العبد أفضل من تربيته» وما فعله السماسرة ووكلاء اللاعبين فعله محترفو الدروس الخصوصية فتحول التعليم إلى معمل لتفريخ ذاكرات تحفظ طريق الحصول على أعلى الدرجات، ومقاومة النظام الجديد الذى وضعه الدكتور طارق شوقى، والذى لخص الرئيس معاناته بأنها «ليست بسبب رفض المصريين للنظام ولكن لأنهم خائفون»!

وسر الخوف من تغيير النظام التعليمى المتخلف يعود بنظرى لسببين: الأول، أصحاب المصالح فى الارتباط بين المجموع الكبير وكليات القمة وبين كليات القمة ـ الطب والهندسة والمعلومات والثقافات واللغات الأجنبية ـ وبين فرص التعيين والدخل الكبير ومستوى المعيشة، أما السبب الثانى، هو قلة وعى الأهالى للنظام الجديد لتخلف أجهزة الترويج!

وقد لمست العلاقة بين النظام الجديد للتعليم وبين تنمية المواهب فى الفن والثقافة وحتى كرة القدم، حين وجدت نفسى وسط جنود مجهولين لبوا نداء الرئيس ـ بالصدفة ـ وبدءوا إصلاح التعليم قبل عام التعليم ـ 2019 ـ بخمسة أشهر، فى ورشة عمل بفندق «حرس الحدود» حيث كنت مدعوا للمشاركة فى لجنة لاختبار المدرسين الجدد للمرحلة الابتدائية للكشف عن مدى توافر قدرتهم على بناء الانسان فى المدارس المصرية اليابانية، التى بدأت تستعد للنظام الجديد من الآن عن طريق تطبيق نظام لاختبار المدرسين الذين تتوافر لديهم مهارات القيادة والتعلم وإدارة المدرسة والتواصل مع الآخرين باللغة العربية والقدرات اللفظية والجسدية والتفاعل مع الأطفال، وكيف سيدعم مبدأ مشاركة التلاميذ فى الأنشطة، والعمل التطوعى وتدرجت الأسئلة من كيفية التعامل مع تلميذ اعتاد التأخير حتى كيفية علاجه لو تعرض لمشكلة نفسية أو تبول لا إرادى. والطريف أنه بعد الإعلان عن وظيفة «معلم» و«معلم مساعد» للمرحلة الابتدائية للتدريس بنظام المنهج المتكامل قد اشترط عدم إعطاء دروس خصوصية، فتقدم أكثر من 24 ألفا جاءوا من كل إنحاء مصر، وبعضهم عاد من الخليج ويحمل الدكتوراه ومن مدارس اللغات والمدارس الأجنبية والدولية، والمطلوب من اللجان تصفية العدد إلى 1200 معلم فقط !

قالت لى الأستاذة أمال حافظ مديرة مدرسة وخبيرة تربوية وعضو اللجنة أن النظام الحالى فى مصر يعانى التشتت بين العربى والفيتشر والأجنبى والخاص واللغات والتجريبى التى قتلت الانتماء والهوية المصرية حين أهملت اللغة العربية وعزل التلاميذ بسبب الإعاقة أو الدين، أما «النظام الجديد» سيخلق عدالة تعليمية غير مسبوقة وسيلغى ازدواجية الانتماء بين الثقافة المصرية والأجنبية، ويدرس المواد بنظام المنهج المتكامل باللغة العربية فى «باقة واحدة» هى الرياضيات والعلوم والتاريخ والفنون فى المرحلة الابتدائية، ويبدأ التشعب فى الإعدادى، وعن نظام الباقة فى التدريس الذى سيطبقه النظام الجديد يقول الأستاذ محمود أبو العزم الخبير فى أكاديمية التدريب إنها للمرة الأولى التى يخضع فيها المدرسون فى المدارس المصرية اليابانية لاختبار نفسى وصحى وطبى لتدريس مجموعة مواد من خلال الأنشطة التى تعتمد أساسا فى نجاحها على تفاعل الطالب ومشاركته وعدم التمييز!

ورغم قلقى من عدم كفاءة مدارس الحكومة لممارسة الأنشطة أشهد أننى توافرت لدى أسباب للتفاؤل بنجاح النظام الجديد للتعليم من خلال هذه المشاركة، وأدركت حجم الحماس بين المدرسين لطرق التدريس التى تفجر مواهب المدرس القيادية، وتعوضنا عن غياب «الكشاف» الذى اختفى من المدارس والملاعب فاختفت المواهب، ولكن مهمة الدكتور شوقى لن تنجح إلا إذا توافر للمصريين الثقة بأن مانحن فيه هو «اللانظام» فى التعليم، وأن التمسك بسماسرة الدروس الخصوصية يشبه «متلازمة استوكهولم» وهو مرض نفسى أصاب ابنة أحد الأثرياء الأمريكان وجعلها تتمسك بمختطفيها وتشاركهم فى السطو على بنك، فبسبب رعب الثانوية العامة والخوف على مستقبل الأولاد صاروا غير قادرين على الأكل والكلام، أو حتى دخول الحمام بدون إذن، ثم يشعرون بالامتنان والحب للنظام التعليمى «القاتل» الذى أدخل أبناءهم الطب والهندسة واللغات والدراسة فى الجامعات الخاصة والولاء لثقافات أجنبية والهجرة مع مختطفيهم إلى الخارج !

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف