المصريون
محمود سلطان
"الغباء".. يصنع مثل "الحذاء!"
مقولة منسوبة لأينشتاين تقول: "شيئان لا حدود لهما، الكون والغباء"، غير أن الكاتب المغربي محمد طيفوري، في مقال جميل له، عن كيفية صناعة الغباء وتوظيفه في "الحشد"، صحح هذه المقولة، وقال إنها للروائي الفرنسي "جوستاف فلوبير".

طيفوري أشار إلى مقالة كارو سيبولا (Carlo Cipolla ) وهو مؤرخ اقتصادي بجامعة كاليفورنيا؛ من أصل إيطالي، عن القوانين الأساسية للغباء البشري..

حدد فيها بدقة القوانين الأساسية للغباء، الذي يعده المؤلف أكبر تهديد للوجود البشري. فالغباء صناعة تصنع كما تصنع الأحذية، ويصنع كي يُلبس، ولكن في الرأس لا في القدم.. ويعتبر "سيبولا".. الأغبياء "أكثر خطورة من رجال العصابات".

من أجمل ما لفت انتباهي في دراسة طيفور، ما نقله عن الفيلسوف الكولومبي "نيكولاس غ دافيلا" حين قال: "الذكاء يعزل الأفراد، في حين أن الغباء يجمع الحشود"، لما يظهره الأغبياء من قناعات تجعلك تظنهم ملاك "الحقيقة المطلقة"، ما جعل "برتراند راسل" يصف الأمر بقوله: "مشكلة العالم أن الأغبياء والمتشددين واثقون بأنفسهم أشد الثقة دائمًا، أما الحكماء فتملؤهم الشكوك"

ومن أشهر النظريات التي تحدثت وبدقة علمية عن كيفية صناعة الغباء، هي نظرية "القرود الخمسة"، منسوبة أيضًا لأينشتاين تقول ـ بحسب منير إبراهيم تايه في الحوار المتمدين: "إن مجموعة باحثين وضعوا خمسة قرود في قفص، وعلقوا في مكان مرتفع منه موزة يتم الوصول إليها عبر سلم. وكانوا كلما تسلق قرد السلم ليصل إلى الموزة يرشون بقية القرود الأربعة بماء مثلج، ولا يتعرضون للقرد الذي سعى إلى الموزة. وبعدما تكررت محاولات الوصول إلى الموزة من قبل القرود الخمسة مع تكرار العقاب بالماء المثلج، بدأت القرود تنهال بالضرب على كل من يحاول صعود السلم.

أخرج العلماء أحد القرود الخمسة وأدخلوا مكانه قردًا جديدًا. حاول صعود السلم، فضربه القرود الأربعة. حتى اعتاد عدم السعي إلى الموزة. قرد ثان من جيل الماء البارد استبدل بقرد جديد. وتكررت النتيجة حتى تعلم عدم محاولة الصعود. وهكذا حتى تم استبدال جميع قرود الجيل الأول من ضحايا الماء المثلج، وبقيت قرود الجيل الثاني، التي لم تختبر العقاب، تضرب أي قرد جديد يحاول السعي إلى الموزة.

العبرة من ذلك، هي أنه تم صنع أساس المنع مع الجيل الأول من القرود الخمسة عبر العقاب الجماعي، والعبرة الأهم أن الجيل الثاني تبنى ضرب أي قرد يسعى إلى الموزة مع أنه (أي الجيل الثاني) لم يختبر العقاب بالماء المثلج، بل ورث قناعة ضرب من يقترب من السلم.

ما سبق هو مثال لعملية "صنع قناعة" لدى الرأي العام بالإكراه، ما يقتضي عقابًا في المرحلة الأولى. إلا أن الأجيال الآتية تتبنى تلك "القناعة" تلقائيًا، من دون الحاجة إلى إخضاعها للعقاب"

هلا علمنا كيف تسوق الجماعات الدينية والأنظمة الديكتاتورية، الناس وتحشدهم خلفها بعصا الغباء.. الذي تصنعه بنفسها ثم يورث تلقائيًا للأجيال اللاحقة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف