بسيونى الحلوانى
المؤسسات الدينية .. ومواجهة الشائعات!!
بالفعل.. لم تتعرض مصر طوال تاريخها لهذا الطوفان من الشائعات والأكاذيب.. وبالفعل أصبحت الشائعات التي تتناقل علي ألسنة المصريين وصفحات التواصل الاجتماعي- لمثقفين وبسطاء- مصريين وسيلة للتشويش والتضليل والهدم.. وبالفعل لم تستطع كل مؤسسات الدولة - حتي الآن علي الأقل- مواجهة هذا الكم الهائل من الشائعات والأكاذيب بأساليب علمية تدحض تلك الشائعات في مهدها وتكشف عن أهداف مروجيها وتحذر الجماهير منهم وتقدم من يتورط في إشاعة الأكاذيب للمساءلة القانونية.
علينا أن نعترف بهذا لو كنا جادين في مواجهة الأكاذيب والأباطيل التي تستهدف تعويق مسيرة الدولة المصرية وتشويه خطط وبرامج الإصلاح التي تتبعها وإحاطة بعض مسئوليها بأكاذيب تبني جسورا من عدم الثقة بينهم وبين الجماهير علي اختلاف مستوياتهم الاجتماعية والفكرية والثقافية.
****
في مقدمة مؤسسات الدولة التي لم تستطع القيام بدور واضح وحاسم في مواجهة الشائعات والأكاذيب التي تبنتها كتائب الكترونية وعناصر معادية لاستقرار الدولة في الداخل والخارج "المؤسسات الدينية" رغم تنوعها وتعدد مجالات نشاطها في أوساط الجماهير حيث كان بمقدور تلك المؤسسات لو كانت لديها خطة واضحة المعالم وبرامج عمل محددة أن تواجه هذه الأكاذيب انطلاقا من منظورها الديني والأخلاقي حيث لم تحظي ظاهرة سلبية بزخم ديني كما حظيت الشائعات والأكاذيب ولم يعتن القرآن الكريم بمواجهة وباء اخلاقي كما اعتني بمواجهة الشائعات التي طالت سمعة أشرف الناس وأطهرهم في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي مقدمتهم زوجته السيدة عائشة التي أنصفها القرآن وأنزل الله سبحانه وتعالي قرآنا يتلي لتبرئة ساحتها من الإفك الذي حاول الكاذبون إلحاقه بها.
إلي جانب ما ينبغي علي كافة مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية أن تقوم به لمواجهة الشائعات والأكاذيب.. كان يمكن للمؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر والأوقاف والافتاء والكنيسة أن تقوم بدور بارز في مواجهة تلك الشائعات عن طريق كيفية التعامل معها بعقل ومنطق سليمين. وتحذير الجماهير من ترديدها بهذا الشكل العشوائي الذي حدث خلال الشهور الماضية وبيان الأحكام الشرعية التي تؤكد علي إثم من يرددها ويسهم في نشرها وتطبيق عقوبات تعزيرية علي كل من يهدد أمن المجتمع وسلامته بأكاذيب وأقوال مرسلة لا يدعمها دليل ولا يساندها برهان.
لكن للأسف هذا لم يحدث حتي في التعامل مع ظاهرة "خسوف القمر" والذي ناله هو الآخر قدرا هائلا من الخرافات التي تكشف عن جهلنا الديني لم نر جهدا واضحا للمؤسسات الدينية في مواجهة هذه الخرافات وتوجيه الجماهير إلي التعامل الواعي مع ظاهرة كونية انطلاقا من توجيهات دينية صحيحة.
****
الاعتراف بالتقصير ليس عيبا. بل يكشف عن شجاعة ورغبة صادقة في المواجهة العاقلة والتغيير للأفضل.. وعلي المؤسسات الدينية أن تضع خطة علمية فكرية لمواجهة الشائعات تسهم من خلالها في المواجهة الشاملة التي ينبغي أن تتبناها الدولة لمواجهة مخططات قوي الشر في الداخل والخارج لتدمير الروح المعنوية للمصريين وإقامة جدار من عدم الثقة بينهم وبين مؤسسات الدولة ومسئوليها علي مختلف المستويات.
علي المؤسسات الدينية أن تتخلي عن مواعظها العشوائية وأن توضح للجماهير من خلال المساجد والمنابر الإعلامية والأدوات الثقافية المختلفة كيفية التعامل الصحيح من خلال منظور الشرع مع الشائعات والأكاذيب التي يرددها أذناب قوي الشر. وأن توضح للجماهير أن من أقبح الرذائل التي شاعت في بلادنا اتهام الشرفاء بما ليس فيهم وإحاطتهم بالشائعات الكاذبة لتشويه سمعتهم والنيل من مكانتهم والانتقام منهم.. كما ينبغي أن يوضح علماء ودعاة الإسلام أن رذيلة اتهام الناس بالباطل وإحاطتهم بالشائعات الكاذبة اعتبرها القرآنپمن مظاهر الفسق والفجور. فالله سبحانه يحذر في كتابه العزيز من هؤلاء الفسقة الذين يحاولون الإساءة إلي الشرفاء بما يرددونه عنهم من أقوال ظالمة. وأوصاف غير صحيحة. وسلوكيات قبيحة لم تصدر عنهم. ويكفينا هنا أن نشير الي قوله سبحانه: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقى بِنَبَأي فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةي فَتُصْبِحُوا عَلَي مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ". وفي هذا النص القرآني الكريم دعوة إلي التثبت من صحة خبر الفاسق لئلا نصيب به قوما بما يؤذيهم. وما أكثر الفاسقين المنحرفين علي مواقع التواصل الاجتماعي الذين يرددون شائعات وأكاذيب لا يمكن أن يصدقها عقل سليم.
****
لقد أصبحت مصر- للأسف- ساحة مفتوحة لكل أشكال الشائعات المغرضة والمعلومات المضللة حيث لم تعد تنتشر الشائعات والأكاذيب والافتراءات من خلال وسائل النشر فقط. بل تنتشر بين المصريين في مجالسهم الخاصة وفي مكاتبهم ووسائل مواصلاتهم ولم يعد هناك فرق بين مواطن بسيط وآخر من المفترض أنه متعلم ومثقف. لا يعمل عقله ونشر أكاذيب لا تمت للواقع بصلة ولا يدعمها أي دليل مكتفيا بالرد بعبارة سخيفة "الناس بتقول كده.. والله أعلم"!!
للأسف.. ليس البسطاء وحدهم الذين يرددون الشائعات والأكاذيب.. بل بعض المثقفين الذين يسيطر عليهم الإحباط يسهمون في نشر هذا الوباء وتمتليء صفحاتهم الشخصية علي مواقع التواصل الاجتماعي بكم هائل من المزاعم والبيانات غير الصحيحة أو غير الدقيقة عن مصر وحجم ما بها من فساد. والغريب أنهم يدركون أن الشائعات المغرضة والبيانات غير الصحيحة تدمر معنويات الناس وتصرفهم عن العمل الجاد. وتضعف في نفوسهم قيمة الولاء والانتماء للوطن.