الجمهورية
عاصم بسيونى
حافظ عليها .. تلاقيها
عندما سافرت إلي باريس قبل عشرين عاماً تقريباً. ذهبت إلي أحد المساجد للصلاة. ولاحظت أثناء الوضوء نوعاً جديداً من الحنفيات لم أعتده. أو لم أره في بلادي. وهو أنك حينما تضع يدك أسفل الصنبور يتدفق الماء. وحينما تبعدها ينقطع تلقائياً دون الفتح أو الغلق الذي اعتدناه. ومن يومها حتي يومنا هذا رغم طول الفترة الزمنية. لم أجد ذلك عندنا.. لماذا؟!.. لا أدري!!.. رغم أن هذا النوع من الحنفيات موفر للغاية للهدر الهائل للمياه الذي نفقده يومياً. وهذه ليست دعاية لها.
تذكرت ذلك حينما أطلقت وزارة الري المسابقة الإعلامية "حافظ عليها.. تلاقيها" ضمن الحملة القومية لترشيد الاستهلاك من خلال حملة صحفية لتوعية جميع فئات المجتمع بأهمية وكيفية توفير المياه التي بتنا في أمس الحاجة إليها الآن. أكثر من ذي قبل. خاصة في ظل التوسع العمراني أو الزراعي بالذات. حيث تتجه الدولة إلي الاكتفاء الذاتي من الخضر والفاكهة والسلع الاستراتيجية لتوفير العملات الصعبة التي تستنزف الخزينة العامة للاستيراد. خاصة القمح بعدما كانت مصر سلة القمح في العالم منذ أيام الرومان وحتي عهود قريبة. وكذلك الأرز الذي بدأت الدولة في تحديد مساحات زراعته. لأنه شره في استهلاك المياه. الأمر الذي جعلنا نلجأ إلي الاستيراد لأصناف تقل في جودتها عن الأرز المصري المعروف عالمياً وعليه إقبال في الخارج لا نظير له.
والحقيقة طالما نحن بصدد مسابقة من هذا النوع للترشيد ومن قبلها إطلاق الحملة القومية إعلامياً. لماذا لا نفكر في استيراد مثل هذه الصنابير التي تحدثنا عنها ورأيناها في باريس. وربما في دول كثيرة. أو حتي نعرف كيفية تصنيعها محلياً وتعميمها. خاصة في المساجد. حيث الهدر الأكبر للمياه. أو داخل المدارس والمؤسسات الحكومية التي تستنفد الأكثر. حيث الإهمال سواء عن عمد أو بدون بسبب "جلدة" حنفية نتكاسل في تركيبها أو حنفية يراد تغييرها لأنها تحتاج إلي روتين وإمضاءات وأختام. وهذا لا يخفي علي أحد. وبالتالي تفقد الدولة سنوياً 8 مليارات متر مكعب من الحصة السنوية لمصر وهي 55.5 مليار متر مكعب منذ أيام الملكية ولم تتم زيادتها بعدما وصلنا إلي 100 مليون مواطن. وهذا وغيره من المعلومات والتحذيرات ذكرتها في كتاب لي قمت بتأليفه قبل 9 سنوات بعنوان "حرب النيل بين مصر وإسرائيل".
صراحة نحن في حاجة إلي مزيد من الوعي المجتمعي والحكومي وليس الإعلامي فقط بالإضافة إلي التفكير في وسائل أخري لتعويض هذا النقص مثل تحلية مياه البحر. وإلي الرصد الجيولوجي للآبار الجوفية الكامنة في باطن الأرض خاصة أن عالمنا الكبير الدكتور فاروق الباز. أكد أن الصحراء الغربية تعوم علي أغزر مياه جوفية في العالم. وأنها مستقبل مصر.
نحن في حاجة إلي تفعيل جاد لمثل هذه المبادرات والحملات بعدما أصبحت المياه "أمن قومي". وأن يكون كل فرد في المجتمع أميناً حتي علي قطرة من هذه المياه. لأن بلادنا ليست ممطرة حتي نعوض أعمال البخر لمياه النيل في الصيف. خاصة بعدما حذر تقرير مركز بحوث المياه من أن مصر مقبلة علي فقر مائي بحلول 2025. وها نحن اقتربنا.. فلماذا التأخير؟!.. ولماذا لا نعامل ضميرنا كما يجب. إزاء الماء الذي هو حياتنا؟!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف