إذا كان بوتين يتفاخر بأنه اجتمع للمرة الرابعة مع الرئيس الأمريكي، فإن ترامب ينتهج أسلوبا ونهجا لا يستطيع أحد أن يتنبه به لأنه يطلق مفاجأة فى كل دقيقة أو حتى لحظة! وهناك قاسم مشترك بينهما وهو الاستخفاف بالأعراف والتقاليد والرأى العام... إن ما يقربهما من بعضهما هو تصور لعالم تخلى عن أى عزيمة أو تصميم شامل.. انهما لا يؤمنان بتعددية الأطراف.
وهى محل ازدراء وسخرية. وهما يبنيان تحركهما الخارجى على العلاقات الثنائية ويعلنان ذلك دون خجل، ويبدو أن قمة هلسنكى قد أثبتت أن بقية الكرة الأرضية هى شىء ثانوى فى عيونهما.
إن بوتين - كما يرى المراقبون - لا يؤمن إلا بعلاقات القوة، وترامب أيضا، وإنما بنظرية رجل الأعمال.. الرئيس الروسى يريد أن يبدو وكأنه يمارس لعبة الشطرنج والرئيس الأمريكى يريد أن يثبت أنه بارع فى فن التفاوض.. كلاهما لأسباب مختلفة وبدرجات غير متشابهة يجدان مصلحة فى معاملة أوروبا بقسوة.
وترامب يبرز أنه طائش وأكثر عفوية من بوتين: ألم يعلن فى حوار تليفزيونى «اعتقد أن الاتحاد الأوروبى بما يفعله معنا فى مجال التجارة عدو لنا!» فى حين أن بوتين إذا كان يرى أن الاتحاد الأوروبى بناء يجب الاطاحة به فإنه لم يندفع فى التصريح بذلك.
وفى النهاية فإن فكرة اقتسام الزعامة بين الولايات المتحدة وروسيا غير واردة لأن مجلس إدارة العالم لم يعد إلا سرابا... إن ترامب يسير وراء انشغالاته بالسياسة الداخلية إن تحقيق القضاء الأمريكى حول شكوك التواطؤ بين فريق حملة ترامب وبعض الوسطاء الروس قد أدى إلى اتهام رسميا اثنى عشر من عملاء المخابرات الروسية بأنهم قد قاموا باختراق الأجهزة الالكترونية للحزب الديمقراطى بهدف اضعاف هيلارى كلينتون.. بالنسبة للكرملين فإنه شكل من التأثير غير المسبوق فى قلب الحياة السياسية الأمريكية.
وفى النهاية يرى المراقبون أن لا شىء بين ترامب وبوتين سوف يسهم فى توازن دولى جديد...ولا ننسى أن قائمة الملفات التى تثير الغضب طويلة... فبرغم التصريحات الواضحة حول ضم «القرم» لروسيا عام 2014 فإن واشنطن قررت تسليم صواريخ مضادة للدبابات لأوكرانيا فى مارس 2018 وفى شهر فبراير الماضى فإن المقاتلين الروس الذين انضموا لقوات بشار الأسد قد لقوا حتفهم خلال هجمات الائتلاف الذى قادته القوات الأمريكية. إن حلفاء أمريكا وعلى رأسهم إسرائيل يطالبون ترامب بإقناع بوتين بأن يبتعد نهائيا عن إيران وهو ما رفضته موسكو على الفور ويعيد المحللون إلى الأذهان انسحاب أمريكا من الاتفاقية النووية مع إيران عام 2015 والاتهامات المتبادلة حول استئناف سباق التسلح والوضع الدفاعى لحلف شمال الأطلنطى الذى يصفه الروس بأنه هجومي.. كما أن بوتين يحاول تشكيل كتلة غير ليبرالية حول روسيا مكونة من الصين وبعض شركاء آخرين من آسيا الوسطي. مما يتيح له أن يحقق اختراقات فى الشرق الأوسط واحتواء أطراف أخرى مثل إسرائيل وهذا عكس ما يفعله نظيره الأمريكى الذى يثير إرتباك وحيرة وتردد حلفائه الأصليين! حيث يعمل ترامب علي تعديل النظام العالمى لصالح أمريكا ولذلك يريد إقناع الأوروبيين بالمساهمة الفعالة فى دفاعهم ويرى فى الصين منافس. أما بالنسبة لروسيا فإنه يرى أنها لا تهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة, ترامب يتمتع بمنهج برغم كل ما يثيره حوله من انتقادات. إن رئاسة ترامب تبشر بالمآسى والأزمات! فى حين أن رئيس الكرملين يحاول استخلاص مصالحه وإضعاف الاتحاد الأوروبى الذى يقف عائقا لأهدافه الجيوبوليتيكية والتركيز على الشرق الأوسط وافريقيا.