الأهرام
عبد الرحمن سعد
كيف حارب القرآن الاكتئاب؟
ظاهرة مثيرة للاهتمام: لم نر أحدا من الصحابة، رضى الله عنهم، يشكو إلى رسول الله الاكتئاب، وضيق الصدر ومشاعر القلق. فكيف قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على ذلك الثلاثى بين الصحابة، فلم يغز بيوتهم أو يفسد نفوسهم، برغم وجود أسبابه كافةً في بيئتهم، وأهمها: قلة الموارد، وضيق ذات اليد، وكبر التحدى؟
لقد حفظهم الرسول، صلى الله عليه وسلم، من الإصابة بهذا المرض النفسي الوخيم، بربهم أولا بآيات القرآن الكريم، فإنها "شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ"، بما تسكبها في القلوب من سكينة، وما تتنزل به من رحمة، وما تدفعه من همَّ، وما تجلبه من بهجة.

وصف الله تعالى إذن القرآن بأنه "شِفَاءٌ"، وهي كلمة أبلغ من "دَوَاء"، وأعمُّ منها، لأن الإنسان قد يتعاطى الدواء أو العقار، لكنه لا يُشفى لعدم استجابته للعلاج به، أما "شفاء" فمعناها حصول العافية التامة، لذا وردت هذه الكلمة في ستة مواضع من القرآن، لتشير إلى الشفاء بجميع أنواعه.

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ". (يونس:57-58).

وقال تعالى: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا". (الإسراء:82).

وقال سبحانه: "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ". (فصلت:44).

هذا القرآن، الذي هو "شِفَاء"، تضمن عددا من النصائح النفسية، التي تحفظ للمرء سعادته واتزانه، أبرزها تجنب الحزن والخَور والخوف، مهما اشتدَّت بالمؤمنين الضغوط، إذ خاطبهم، تعالى، بقوله: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139)، وقَالَ مخاطبا نبيه: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ". (النحل:127).

ومن وصايا القرآن أيضا في مواجهة الكروب؛ الاستعانة بالصلاة، باعتبارها "ملاذ المؤمنين، وأمان الخائفين"؛ فدعا تعالى، في القرآن، للاستعانة بها، فقال: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ". (البقرة: 45). وقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ".(البقرة:153).

ولذلك ورد في الحديث عَنْ حُذَيفَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: "كانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ، إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إلى الصلاة". (حسنه الألباني في "صحيح أبي داود").

كما دعا القرآن إلى كثرة ذكر الله، فقال تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)".(الأحزاب). وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". (الأنفال:45)

ولذكر الله تعالى تأثير مذهل في طمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وزوال الغمِّ. قال سبجانه: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ".(الرعد: 28).

وكذلك سجَّل لنا القرآن أنه لمَّا أراد إخوة يُوسُفُ، عليه السلام، قتله؛ عاش طويلا، ولمَّا باعوه ليكون عبداً؛ جعله الله ملكاً.

وعندما ضاق لوطُ، عليه السلام، بقومه ذرعاً؛ قالت له الملائكة: "لَا تَخَفْ، وَلَا تَحْزَنْ". وفي هذا قال تعالى: "وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ". (العنكبوت:33).

تلك كلها نصائح قرآنية من اتبعها لم يصبه حزن ولا همُّ ولا كرب، وعاش سعيدا صافيا مقبلا على الحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف