جلال عارف
في الصميم ترامب.. والمصيدة الروسية
يبدو أن الصدام الحاسم بين الرئيس الأمريكي »ترامب» وبين جهات التحقيق في قضية التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الامريكية بقيادة المحقق »روبرت مولر» قد اقترب موعده.
ويبدو ان إحالة المدير السابق لحملة ترامب للمحاكمة قد أعطت للرئيس الامريكي مؤشرا علي أن الاوضاع ستمضي الي الأسوأ بالنسبة له صحيح ان مدير الحملة السابقة »بول مانا فورت» أحيل للمحاكمة بتهم تتعلق بالاحتيال المصرفي والتهرب الضريبي، لكن ذلك يتم في إطار التحقيقات حول التدخل الروسي. وبعد ان اتضحت خطة المحقق فولر في محاصرة المتهمين بالملفات السوداء لهم لاجبارهم علي التعاون معه والادلاء بشهاداتهم حول التدخل الروسي أو مواجهة السجن.
وهو الأمر الذي دفع عددا من كبار مساعدي »ترامب» السابقين الي التعاون مع المحقق »تولر» وإعلان بعضهم أنهم لن يذهبوا للسجن وحدهم..وهوما فهمه »ترامب» وفريقه علي انه نذير بأن القادم سييء.. وجعله يصعد من حملته علي المحققه »مولر» خلال الأيام الماضية معلنا أن »فولر» في حقوقه معه، ثم مطالبا وزير العدل قبل يومين بأن يصنع حدا لهذا التحقيق. وأن يوقف ما أسماه »الملاحقات المزيفة» في هذه القضية!!.
وهو تطور خطير في القضية لأنه يوحي بأن هناك بالفعل ما يخشاه ترامب، ولأنه يعرف أن وزير العدل ليس من سلطته الآن أيقاف التحقيق، لكنه قد يكون قاصدا التمهيد للخطوة التي يمكن ان تصنع مستقبله كل رهن الشكوك إذا أقدم علي إقالة المحقق »مولر»
»ترامب» مازال يعتمد علي قاعدته الجماهيرية من أنصار اليمين المتطرف وأمريكا البيضاء، ومازال يروج لسياساتهم الاقتصادية الانعزالية علي أساس أنها ستفيد الاقتصاد الامريكي. ومازال يستخدم »الخطر الصيفي» القادم بقوة لتبرير اقترابه من روسيا، علما بأن هذا الاقتراب كان من سنوات جزءا من استراتيجية أمريكا الخارجية.. ولكن ذلك يختلف عن السماح لروسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة، ويختلف عند معظم الامريكيين، عن ظهور الرئيس الامريكي في قمة هلنسكي بمظهر الطرف الاضعف لاسباب غير مفهومة أو مبررة حتي عند اقتراب انصار »ترامب» وقيادات حزبه الجمهوري.
أراد الرئيس الامريكي- فيما يبدو- أن تكون قمة هلسنكي دليلا علي أنه ليس علي رأسه بطحة. كما يقولون. وأنه يتعامل مع بوتين بلا أي سياسات، لكن النتيجة كانت عكسية، خاصة بعد ان هاجم اجهزة المخابرات في بلاده، ووافق علي ما قاله الرئيس بوتين عن كذب ادعاءات التدخل في انتخابات الرئاسة الامريكية.
والقضية الآن تدخل منطقة بالغة الحساسية، ومع اقتراب الانتخابات التشريعية الامريكية بعد شهور يبدو أن امريكا يمكن ان تكون مقدمه علي ازمة داخلية غير مسبوقة حتي في أزمة نيكسون واستقالته بعد فضيحة »وترجيت» لأن إدانة نيكسون مويها كانت اجماعية، واستقالته وضعت حدا للازمة بينما أزمة ترامب تأتي في وقت ينقسم فيه المجتمع الامريكي، ومع اداء متخبط يفتقر للحكمة السياسية، ويعتمد علي خطاب يميل للاثارة والتعصب، ومزاج يميل لليمن المتطرف العنيف.
في بداية الازمة.. كان »ترامب» ينكر أي صلة له أو لفريقه، أو عائلته بالتدخل الروسي في الانتخابات الامريكية، أو وجود أي اتصالات مع الروس بهذا الشأن.
بعد ذلك. كان الاعتراف بأنه قد تكون هناك اتصالات بين الروس وبعض مساعديه.. ولكن دون علمه، وبعيدا عن أي دعم له في الانتخابات، أو أي اتفاق علي الاساءة لخصومه.
وبعد ذلك.. كان الاقرار بأن الروس قد تدخلوا - بدون اتفاق وبدون علم- في الانتخابات- مع التأكيد بأنه لم يستفد من هذا التدخل الذي لم يغير النتائج.. كما يري ترامب وفريقه!!
ثم تطور الأمر بعد تطور التحقيقات، وأصبح موقف ترامب وفريقه أن التدخل قد حدث، وأن اجتماعات ربما قد تمت بين عملاء روس وبين أقرب مساعديه وأفراد عائلته »إبنه وزوج إبنته» ولكن دون معرفة منه»!!» ودون أن يكون هناك »تواطؤ» بين الروس وبين حملته الانتخابية.
المثير الآن.. أن محاميه الجديد.. جولياني» وهوأحد أقطاب الحزب الجمهوري والذي جاء فيما يبدو في محاولة اخيرة لانقاذ الموقف يقول: إنه قد يكون هناك »تواطؤ» ولكنه غير واثق أن هذا التواطؤ» بين الروس والحملة الانتخابية لترامب يمكن أن يمثل »جريمة»!!
مجمل تطورات الأيام القليلة الماضية تشير الي ازمة داخلية عنيفة داخل أمريكا شبه الاعتراف من محامي ترامب بـ»التواطؤ» في الانتخابات مع الروس يعني ان الازمة حقيقية، وأن القضية ليست مع »الحزب الديمقراطي» بل مع اجهزة المخابرات والامن القومي، وأن الخلاف ليس علي مقاعد »الكونجرس» في الانتخابات القريبة، بل علي مكانة القوة الاعظم في العالم حتي الآن.
»تغريدة» الرئيس الامريكي التي طلبت فيها من وزير العدل ايقاف التحقيقات هي الاخطر في هذه القضية حتي الان.. كالعادة سارع المتحدثون باسم البيت الابيض والرئيس الامريكي الي تفسير الامر علي انه مجرد »رأي» وانه ليس أمرا لوزير العدل!! لكن الاشادة واضحة ترامب يقول انه لن يستسلم والمحقق »مولر» ماضي في طريقه، والصدام قادم، والسؤال هل ينتظر »ترامب» نتائج الانتخابات التشريعية القادمة بعد شهور، والتي قد تفرز اغلبية معارضة له.. أم يقدم علي الرهان الخطر، ويبعد المحقق »مولر» فيفجر الموقف لينقذ مستقبله أو يحصن ماضيه؟
سؤال لن ننتظر طويلا حتي نعرف إجابته.