تمر اليوم في هدوء تام الذكري الستين لوفاة رائد من رواد الفكر المصري الحديث. هو سلامة موسي "4 فبراير 1887 ـ 4 أغسطس 1958". ورغم الاختلاف الشديد في تقييم أفكاره ودعواته بين الحماس الشديد والهجوم الأشد. فانه يظل واحدًا ممن حركوا المياه الفكرية الراكدة في مصر علي مدي نصف قرن من الابداع والمعارك الفكرية. نذكر أولا أنه أول من استخدم كلمة ثقافة في اللغة العربية مترجمًا بها كلمة Culture الأجنبية. ثم أنه فارق دنيانا بعد أن ترك تراثًا ثريًا من المؤلفات الرائدة في مختلف المجالات مثل. السيرة الذاتية "تربية سلامة موسي". وأحلام الفلاسفة. وتاريخ الفنون. ومصر أصل الحضارة. وأحاديث إلي الشباب. وحرية العقل في مصر. والمرأة ليست لعبة الرجل. وغيرها الكثير وكلها دعوات للأخذ بالعلم لمواجهة مشاكل الفقر والجهل والمرض وعدم المساواة التي كانت تنخر المجتمع المصري وتؤخر تقدمه في النصف الأول من القرن العشرين.
من بين كتب موسي التي نجد فيها تلخيصًا لمجمل أفكاره التي أثارت المعارك كتاب "مقالات ممنوعة" الصادر في 1959. متضمنًا المقالات التي لم تنشر علي مدي ثلاثين عامًا. لكونها تحمل أفكارًا تناقض ما يعيش عليه ساسة ومفكرو العصر الذين يؤيدون الجمود الفكري والعقلي والاستكانة للظلم الاجتماعي.
من بين المشكلات الثقافية القديمة التي نوه اليها الكتاب ظاهرة فوضي النشر ولصوصية الاتجار بالكتب. حيث ترجم في عام 1912 جزءا من قصة الأديب الروسي دستوفيسكي الخالدة "الجريمة والعقاب" وطبعه علي نفقته الخاصة. ولكن "فوضي النشر ولصوصية الاتجار بالكتب في ذلك الوقت. حملاني علي الكف عن نشر باقي القصة". ومازالت المشكلة قائمة بعد قرن من الزمان.
وفي دعوته للتجديد الفكري يكتب مقالا بعنوان "كيف نكون عبقريين" يبدأه بشرح نقيض العنوان. وهو: كيف نكون غيرعبقريين؟. والجواب عنده هو: "نكون غير عبقريين إذا كانت الظروف الاجتماعية تمنعنا بالقوانين أو بقوة وضعها الاجتماعي عن ذلك.. يدل التاريخ الانساني علي انه وُضِعَت قوانين لمنع التفكير البكر الأصيل. وسُنَت قوانين تنص علي عقوبة المفكرين. كان في فرنسا مثلا قبل الثورة قانون يعاقب كل من يجرؤ علي مخالفة ارسطوطاليس!.. وفي مصر منعتنا الحكومة الاستبدادية من التفكير الاجتماعي البكر. فتخلفنا في التفطن إلي الأصول التي ينبع منها الاستعمار. وإلي العوامل التي يستند إليها. وضاعت منا عبقريات في الفهم الاجتماعي العام بسبب العقوبات التي عُوقِب بها بعض المفكرين الذين جرأوا علي التفكير". وبعد استعراض جهود خمسة من العلماء العرب المبتكرين الذين تجرأوا علي نقض المألوف من الافكار السائدة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر. وأوجدوا تفكيرًا جديدًا أفادت منه أوروبا في نهضتها "ابن رشد. وموسي بن ميمون. وابن حزم. وابن النفيس. وابن خلدون". يتساءل لماذا لا نجد مفكرًا عربيًا واحدًا بعدهم؟ ويجيب "لان التفكير الحر المستقل أصبح جريمة". ومازال العرب يعيشون نفس المأساة.
لقطة:
طلبت المرور تليفونيًا للتصرف في سيارة تركها صاحبها صف ثان بما يعرقل الخروج بسيارتي. خصوصًا مع تعذر زحزحة السيارة المخالفة بسبب رفع صاحبها فرامل اليد. استجاب المرور وأتي بالونش وسحب السيارة مسافة للأمام حتي تمكنت من الخروج بعد تأخير عن موعد مهم نصف ساعة. شكرًا لمرور مصر الجديدة علي هذه الخدمة السريعة.