المصريون
محمود سلطان
نامت "نواطير" مصر عن ثعالبها!
توت عنخ آمون، أحد الذين تعاقبوا على حكم مصر، ويقال إنه تولى السلطة بين "1334 إلى 1325 ق.م".. كان حاكمًا "تافهًا" لا قيمة له ولا وزن، قتله وزيره وهو في الـ18 من عمره، ليتزوج أرملته من بعده.

لم يثبت أنه ترك تاريخًا من الإنجازات لتخليده.. ومع ذلك فهو أكثر الحكام الفراعنة شهرة.. وهى مفارقة تسأل عن سر هذه الشهرة.. رغم تفاهته وقلة ما تركه من "إنجازات" أو انتصارات عسكرية، كما هو الحال للملوك الفراعنة!!

والحال أن شهرته ترجع إلى أن مقبرته الملكية بكنوزه كاملة هي الوحيدة التي اكتشفت.. على يد عالم الآثار البريطاني "هوارد كارتر" عام 1922.

إذا قدر لك أن تشاهد كنوز "توت"، في متحف التحرير (357 قطعة ذهبية).. فستعرف حينها، حجم الجرائم التي ارتكبت بحق المال العام.. فالحاكم في حياته يستولي على ثروات المصريين من الذهب.. و"يستخسرها" فيهم بعد وفاته، فتدفن معه في مقبرته، ليحرمهم منها عشرات القرون.. ومن الكوميديا المبكية، أنه عندما تكتشف تلك الكنوز، يستولي عليها الباشاوات الجدد، ويهربونها خارج البلاد!!

المتنبي عندما عاش في مصر، في القرن العاشر الميلادي، كتب كما يقول طه حسين "أصدق بيت في حياته".. وهو قوله: نامت نواطير مصر عن ثعالبها فقد بشمن وما تفنى العناقيد.

والنواطير "الحراس" الرقابة على المال العام.. والثعالب "اللصوص".. بشمن أي شبع "الحرامية" إلى حد التخمة.. والعناقيد "رمزية دالة عن المال العام"

في كتابه "مع المتنبي، دار المعارف، القاهرة".. يقول طه حسين: "ولست أعرف أصدق في مصر ولا أبرع في تصويرها من هذا البيت ... الذي يختصر لونًا من حياة مصر منذ أبعد عهودها بالتاريخ إلى هذا العهد الذي نحيا فيه، ولو أن التاريخ أراد أن يحصي الثعالب التي عَدَت على مصر وأموالها، فأخذت منها ما أطاقت وما لم تطق حتى أدركها البشم، وما هو فوق البشم، ونواطيرها نائمة وقادتها غافلون، وأموالها مع ذلك لا تفنى ولا تنفد...أقول لو أراد التاريخ إحصاء هذه الثعالب لما استطاع. ولست أدري: أيأتي يوم يُكَذَّبُ فيه هذا البيت من شعر المتنبي فلا تنام نواطير مصر ولا تبشم الثعالب فيها ولا يعدو الماكرون الغادرون على أهلها الآمنين الغافلين؟"

توفي طه حسين، رحمه الله، ولا يزال سؤاله حاضرا متجددا.. ولو أطال الله في عمره، لرأى أياما.. لم تنم فيها نواطير مصر وحسب.. وإنما باتت فيها النواطير والثعالب "يدا واحدة"!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف