محمد البنهساوى
ليه بتدعوا «كده» لياسر رزق ؟!
حروف ثائرة
" ليه بتدعوا كدة لياسر رزق ".. سؤال فاجأني به صديق من أيام الدراسة خلال لقائنا بعد سنوات من الانقطاع.. نظرت إليه وقد بدأت ملامحي تتغير وتميل للغضب من السؤال.. فأردف قائلا " أعرف أن المريض يستحق الدعاء إلي أن يتم الله عليه الشفاء.. لكن سؤالي إيه كمية الدعاء دي وكم المشاركات الهائل لتلك الدعوات.. أليس نوعا من المجاملة الفجة؟".
استبد الغضب بي وبدأت ملامح وجهي ونبرة صوتي تتغير رغم حرارة اللقاء بيننا. لكني تماسكت والتمست له العذر بجهل من هو ياسر رزق.. ثم بدأت بهدوء مصطنع أجيبه.. وأثناء الإجابة اكتشفت انني والجميع يريد فعلا أن يعلم لماذا كل هذه المشاعر الجياشة تجاه أحد أشهر وامهر الصحفيين المصريين في السنوات الأخيرة؟
وبدأت أسترجع امامي شريطا طويلا من الذكريات مع ياسر رزق " مع حفظ الألقاب والمسميات والمناصب ".. قد نتفق ونختلف كثيرا مع ياسر.. لكن مالا يستطيع أحد الاختلاف عليه إنسانيته الطاغية.. والكاريزما التي وهبها الله له بشكل وصورة أراها استثنائية بين جميع أقرانه من الصحفيين.. تمنحه تأشيرة دخول سريعة إلي قلوب الجميع ومن الوهلة الأولي.. وربما كانت إنسانية ياسر أكبر مزاياه وعيوبه في نفس الوقت في زمن يري البعض الإنسانية ضعفا والتواضع خوفا !!
ياسر مثال للوطنية.. مهني حتي النخاع.. صحفي نابه.. لم يختلف دأبه وراء الأخبار والانفرادات والسبق الصحفي منذ ان كان صحفيا شابا وحتي وهو رئيس لمجس الإدارة.. كنت أقول دائما انه معجون بمية الصحافة ويلتبسه عفريتها منذ ولادته.. يعشق مهنته بلا حدود.. ونفس العشق لدار أخبار اليوم التي افني فيها ولأجلها أحلي سنين عمره.. صحفيا شابا نابها وحتي وصل لقمة سلمها وجلس علي مقعد رئيس مجلس إدارتها.. ومن بدايته وحتي الآن نفس العشق والنشاط والدأب.
شاء حسن حظي ان ألازمه منذ شرفت بالالتحاق بجريدة الأخبار اعرق الصحف المصرية والعربية.. ويوم وقع علي اختيار والدنا الراحل الاستاذ فاروق الشاذلي كبير المحررين العسكريين وبترشيح من ياسر رزق لالتحق بالقسم العسكري لأدخل في مرحلة اخري لعلاقتنا الممتدة.. أتاحت لي القرب منه أكثر وأكثر بدءا من عملنا سويا بالقسم العسكري.. وصولا إلي عضويتي في مجلس إدارة مؤسستنا العريقة تحت رئاسته أيضا.. ولا أنكر مهما طال العمر أنني تعلمت منه الكثير مهنيا وإنسانيا.. كم كنا نختلف.. ومرات يثور في وجهي.. وأكون أنا المخطئ.. وما هي الا لحظات يتحجج فيها ياسر بأي سبب ليتصل بي.. وكأن شيئا لم يكن.. واوقات اخري يكون هو المخطئ وربما يتملكني غضب هائل فأسارع إليه لمعاتبته.. وأحمل بداخلي خوفا من شيء وفي كل مرة يتحقق خوفي.. فما ان تقع عيناك في عينيه ومهما كان حجم غضبك منه فنظرة من ياسر الإنسان تنسيك غضبك منه حتي ولو كان بركانا !!
استرجعت شريطا طويلا مع ياسر الإنسان والصحفي والزميل والأخ والصديق قبل أن يكون الرئيس.. ولكم حاولت ان اكتب عنه منذ بداية مرضه.. لكني تحاشيت الكتابة كما تحاشيت تماما التفكير في أنه مريض.. لدرجة انني في كل مرة أهاتفه فيها وهو في فرنسا أذهب بالحديث معه إلي أحوال مؤسستنا ومهنتنا.. ونتحدث في امور عديدة الا مرضه.. وكأنني أو هكذا فعلا لا أريد أن أصدق مرضه حتي ولو كان بسيطا.. لكن ما ان هاتفته أمس الأول وتحدثنا في امر مهم لمؤسستنا ووجدته يبدأ في عصبيته المعهودة غيرة علي المؤسسة لأقول له " كدة أقدر أقولك حمدلله علي السلامة.. ممكن بقي تهدي ونكمل كلامنا لما ترجع ".
أخي وصديقي وزميلي ورئيسي ياسر عد.. فقد أوحشتنا.. عد فمازال الطريق طويلا والمشوار ممتدا.. عد حتي نتشاجر ويعلو صوتي رافعا كل ما بيننا من كلفة ليأتيني صوتك من جديد " يا ولدي.. هدي نفسك " عد لأنك مهما اختلفنا وتباعدنا او تقاربنا فأنت ياسر رزق الذي يستحق مني ومن الجميع اكثر من كل هذا الدعاء وكل تلك المشاعر.