ما أن يهل موسم التين الشوكي أو الذرة المشوي أو حتي هناك علي شاطئ البحر حيث باعة الفريسكا، يحلو لي دائما أن أستوقف البائع وأجري حوارا خلال عملية الشراء لأتيقن أن الإحصائيات التي تؤكد أن محافظة سوهاج هي أكثر محافظات مصر طردا لسكانها، حيث تلتصق بالنيل في شريط ضيق بين جبلين يضيق بأهله والزيادة السكانية المستمرة التي تعاني منها المحافظة.
أيقنت أيضا أن السوهاجي يشقي علي رزقه من يومه، سواء اتجه إلي سوق روض الفرج الذي تحول إلي سوق العبور حمالا أو تاجرا أو حتي صاحب »نصبة شاي»‬.. وحكي لي صديق يعمل بالتجارة في هذا السوق أن عمليات التحميل والتفريغ لأجولة الغلال وما شابه لا يقدر عليها إلا أولاد قبلي ونادرا ما تجد في هذه المهن أحدا من أولاد بحري.
من المرحلة الإعدادية يبدأ الطفل السوهاجي رحلته خلال إجازة الصيف إلي القاهرة أو الإسكندرية لبيع التين الشوكي أو الذرة المشوي أو الفريسكا.. من حواراتي معهم أجد أنه يفضل العمل الحر لادخار ما يعينه علي مواصلة دراسته في العام التالي حيث يصبح علي يقين بأن أباه الذي هاجر إلي القاهرة للعمل في مهنة »‬الفواعلية» أو أي مهنة أخري تتطلب قدرة جسدية وصبرا ومثابرة، فإنه مهما جمع من مال لا يستطيع مواجهة مصاريف الدراسة خاصة مع كثرة الإنجاب وتجهيز البنات للزواج الذي يكون دائما في سن مبكرة في هذه المحافظة.
السوهاجية عصاميون يبنون أنفسهم علي حساب أجسادهم المنهكة والعطاء دون كلل أو ملل، ليست هناك منطقة شعبية في مصر أو حتي عشوائية إلا وتجد قهوة بلدي تحمل لافتتها »‬نادي أبناء سوهاج»، حتي هناك في الكويت رأيت مثلها في حي خيطان.
السوهاجي احتل موقعه أيضا في كثير من الوظائف المرموقة بالمثابرة، يبدأ مشوار الألف ميل بخطوة الواثق من نفسه الآمل في الله المنح والعطاء.. كثيرون هم أيضا في المجال الصحفي، تحمل الواحد منهم الكثير والكثير حتي تبوأ مكانته في بلاط صاحبة الجلالة.
عطاء السوهاجية لا ينفد، العصامية هي ديدنهم وهدفهم في الحياة الذي يسعون إليه دون كلل ووسائلهم لتحقيق ذلك دائما شريفة.
لست سوهاجيا وهذا شرف لا أدعيه، ولكنني أقول ما أعتقد أنه حق بعد أن تبادل رواد التواصل الاجتماعي فيديو محاكمة الأطفال الذين لجأوا إلي تهريب الأحذية والملابس من جمرك بورسعيد بحثا عما يقيم أودهم هم ومن يعولون.
نعم أخطأوا بمنطق القانون، ولكن قبل أن نحاسبهم بالقانون علينا أن نبحث عن الفقر الذي يطحنهم والذي لو كان رجلا لقتلناه.