الأهرام
يوسف القعيد
القاتل: سائق توك توك
هل تتصور أن اسمه: فرحان؟ وأنه فى الخامسة والعشرين من عمره. ومع هذا ارتكب جريمة قتل فى وضح النهار. أما القتيلة فهى طالبة فى كلية التمريض جامعة الأزهر. واسمها: أسماء الرفاعي. كانت تسكن مع ثلاثة من المغتربات فى شقة بالحى العاشر بمدينة نصر.

فرحان، ولا تسأل ما الذى يمكن أن يسعده ويجعله جديراً بأن نطلق عليه إسم فرحان. يعمل سائق توك توك تَعَوَّدَ توصيل الطالبة وزميلاتها للمشاوير اللاتى يذهبن إليها. ومن خلال الثرثرة اليومية التى تحدث فى المواصلات العامة. عرف أن الفتيات الأربع يقمن فى شقة بمفردهن بالقرب منه.

راح فرحان يحسب أوقات خروج البنات وعودتهن. هدفه السرقة، وليس القتل. اقترب من باب الشقة ولم يكن يعرف أن أسماء بداخلها. حدث المحظور وتلطخت يداه بالدماء لأنه عندما فوجئ بوجودها فى البيت. وكان يتصور أنها خرجت مع الأخريات. ولم يكن يعرف مواعيد خروجهن وعودتهن. أصبح فى موقف صعب وعصيب. تعرفت عليه. وهى تعرفه أصلاً. وتعاملت معه كثيراً. افتضح أمره. خطف الإيشارب الذى كانت تستعد لتغطى رأسها به وخنقها فماتت. أى قُتلت. وأصبح فرحان قاتلاً وهو فى الخامسة والعشرين من العمر.

بعد موت أسماء رأى موبايل حديثا. أغراه بأن يأخذه. وربما سرق أشياء أخرى من الشقة. وقد لا يكون أخذ شيئاً لأن القتل نقله لمنطقة أخرى وكان الموبايل الوسيلة الأساسية للشرطة لتتوصل إليه. فى رواية أخرى أن اختفاء فرحان بعد مقتل أسماء أشار لاحتمال أن يكون القاتل. وبمجرد إلقاء القبض عليه انهار واعترف.

أهتم كثيراً جداً بالحوادث اليومية التى تقع فى مصر المحروسة. أو مصر التى لم تعد محروسة. لأنها تقدم لى ملخصاً للعلاقات الإنسانية عندما تقترب من لحظة التأزم. التى ربما دفعت البعض لأن يكون مجرماً. أنا لا ألمح لمحاولة الدفاع عن القاتل. فالقتل هو القتل. وعلى الرغم من أن عنوان الفيلم القديم: جعلونى مجرماً. رن فى خيالى عندما قرأت وقائع الجريمة. إلا أننا لا يجب أن نكافئ قاتلاً بأن نتعاطف معه حتى لو لم يكن أمامه سوى طريق القتل.

سؤالى الأساسي: ما الذى أوصل أسماء أن تكون قتيلة؟ وما الذى جعل من فرحان قاتلاً؟ والد أسماء قال للصحف إنها كانت تعمل فى غير أوقات الدراسة لتساعد العائلة. فوالدها يعمل فى المعاهد الأزهرية، وراتبه بسيط لا يكفى لأمور الحياة اليومية التى تتصاعد كل يوم. وهى تقسم وقتها بين العمل والعبادة والدراسة.

قالوا عن أسماء إن صوتها كان شجياً. وأنها كانت ترتل القرآن الكريم بطريقة يعجز النجوم الذين يحتلون دولة التلاوة فى مصر الآن. أقول يعجزون جميعاً عن تقليدها أو الاقتراب منها. وأنها كانت متدينة ومخلصة تحرص على الذهاب إلى أهلها فى قرية المحمودية بالدقهلية كل ثلاثة أسابيع لتقضى الإجازة معهم، ثم تعود لمواصلة الدراسة والعمل لمساعدة أسرتها وإشباع هوايتها فى ترتيل القرآن الكريم. أو محاولة معانقة معجزة القرآن الكريم اللغوية التى تجعل من ترتيله مدرسة فى تاريخ وجداننا الإسلامي.

المسئولون الكبار بجامعة الأزهر اتصلوا بوالد القتيلة ليقدموا له العزاء. وتأثر الرجل كثيراً. طبعاً لم يجرؤ الوالد أن يسألهم: لماذا تركوا ابنته تسكن فى شقة مع زميلاتها؟ وتوجد فى جامعة الأزهر وفى كلية البنات الإسلامية، مدينة جامعية طول بعرض. فيها كثير من الطالبات والطلاب. حتى لو لم تكن تكفى لاستيعاب الطلبة. فإن الطالبات يجب أن تكون لهن أولوية على الطلاب. لمجرد أنهن بنات. وإن كانت مبانى المدن الجامعية لا تكفى لاستيعاب الطلاب. فلماذا لم يتم التخطيط لبناء مبان جديدة. لا يقل لى أحد إن الأمور تحتاج لاعتمادات مالية. فكم من الأموال نهدر فى حياتنا؟ وأيضاً لا يشير إنسان إلى ضيق المكان. فجامعة الأزهر فى مدينة نصر يمكنك أن تمشى فيها من شمالها إلى جنوبها، ومن غربها إلى شرقها أياماً وليالي، وحولك أراضٍ يمكن البناء عليها.

لا يكفى أن تقدم قيادات الأزهر الشريف العزاء لوالد أسماء، لكن لا بد أن نسأل أنفسنا: من الذى وضع الإيشارب فى يد فرحان لكى يخنقها به؟ ومكَّن فرحان من الوصول إليها وهى بمفردها؟ ومن قتلها ومن الإنصراف من بيتها والاختباء، إلى أن تم القبض عليه. ثم اعترافه بارتكاب الجريمة. أصل إلى مربط الفرس. وربما كان السبب فى اهتمامى بالموضوع والكتابة عنه. ألا وهو التوك توك، الذى غزا حياتنا وأصبح جزءاً أساسياً منها موجودا ابتداء من العاصمة حتى المدن الكبرى والمدن الصغيرة. بل إنه وصل إلى قرى الريف المصري. وزوجة الفلاح الآن بدلاً من أن تحمل له طعام الغذاء وقت الظهر وتذهب إلى الحقل. فهى تؤجر توك توك، وتدفع له الأجرة وتعطيه الغذاء لكى يصل إلى رأس الحقل الذى يعمل فيه زوجها.

توك توك القاهرة بلا أرقام. ولا أعرف هل فى المحافظات الأخرى نفس المحنة أم لا؟ علمت عندما سألت أن بعض المحافظين فرضوا على مستخدميه التراخيص. وبعضهم الآخر لم يسع للترخيص. ومن يقود مركبة غير مرخصة من حقه أن يفعل أى شئ وكل شئ. ففى بلدنا يقول المثل: من أمن العقوبة، أساء الأدب. وأعدله وأقول: من أمن العقوبة واطمأن إلى عدم وجودها، هدد حياة الناس.

كيف سمحنا لكل تلك التكاتك بأن تنتشر فى القاهرة؟ فى كل مكان منها؟ وأن تمارس كل الممنوعات على الطرق؟ وأن تصبح جزءاً من حياة الناس وهى تعمل خارج إطار القانون؟ فما دام التوك توك غير مرخص، فمن المؤكد أن من يقوده لا يحتاج لرخصة. لذلك أجدهم كلهم أطفالا لم يقتربوا من سن المراهقة. رغم مسئولية نقل مواطنين من مكان إلى آخر. والجرى على طرق تجرى عليها كل أنواع السيارات الأخري.

لن أسأل عن أجرة النقل. فهى تخضع للمساومات والمعارك اليومية. ولا حالة التوك توك. ولا كون من يقوده يصلح للقيادة.

أختم بمثل شعبى بعد إجراء تعديل عليه: يا قلبى يا تكاتك، ياما انت شايف وساكت.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف