الأخبار
ابراهيم عبد المجيد
عن القرنية وأشياء أخري
مصر الجديدة
أثار حادث استئصال قرنية أحد المتوفين في مستشفي قصر العيني استياء الكثيرين ، وأولهم أسرة المتوفي التي فوجئت بذلك. تضاربت الأقوال حول القانون الذي يتيح ذلك. قرأت أكثر من تفسير لرجال القانون يقولون إن القانون يؤيد ذلك أو لايؤيد ذلك مما أربكني. وقرأت تعليق لجنة الصحة بمجلس الشعب وهي تدافع عما جري بأن القرنية ليست عضوا كاملا في جسم الإنسان مما أثار سخرية كبيرة علي صفحات الميديا. وسواء كانت عضوا أو غير عضو فالموضوع أكبر من النقاش الدائر.
إنه موضوع يرتبط بالثقافة التي سادت في مجتمعنا منذ أكثر من أربعين سنة والتي كان الشيوخ الكبار وغير الكبار وراءها منذ ظهر الشيخ الشعراوي في التليفزيون وكلهم بلا استثناء حرموا ذلك التبرع بالأعضاء من جسم الإنسان. فالله الذي خلق الانسان كاملا يجب أن يعود إليه كاملا ولا معني أن تطيل عمرك بعضو جديد فالذهاب إلي الله أفضل. فقط إذا حدث لك شيئ دون إرادتك.
حادثة موت مثلا فلاجرم عليك. حرمة التبرع بالأعضاء كانت مثلها مثل حرمات كثيرة جدا شاعت وتأصلت في حياتنا عند كل طبقات الشعب باستثناءات قليلة طبعا وطوال السنين السابقة لم نسمع عن تبرعات بالأعضاء بل إن القليلين كانوا يعرفون شيئا عن بنك العيون وكان تصورهم أن ما يتوافر في هذا البنك هو مستورد من الخارج بأموال كبيرة قيل في بعض ماقيل ان سعر القرنية يصل إلي ألف ومائتي دولار عند الاستيراد. طبعا أنا لا أصدق كل ما ينشر علي الميديا أو غيرها ولا أناقش التفاصيل لكني فقط أتحدث عن المسألة وسط ما ترسخ في ثقافة الناس من جهل بالدين بدا أنه هو العلم اليقين. ناهيك طبعا عن القيم الاجتماعية البسيطة من نوع كيف يودع الأبناء آباءهم أو أمهاتم أو إخوتهم وهم يرونهم قد فقدوا شيئا من أجسادهم بفعل الأطباء وشاهت صورهم. هذه الثقافة التي تنسي إنه بعد أيام من الدفن سيتحلل الجسد كله ولا يبقي منه غير عظام. هذه الثقافة التي تنسي أن الله تعالي حين يبعث الخلق سيبعثهم علي صورتهم الحقيقية وليس علي الصورة التي ذهبوا إليه بها.
ثم إن الله الذي سيبعثهم بعد تحللهم في المقابر هل سيعجز أن يعيد إليهم كلية أو كبدا أو قلبا أو قرنية؟ جانب آخر من المسألة يتعلق بحالة الثقة بين الناس وبين المستشفيات أو العلاج عموما. فموضوع سرقة الأعضاء موضوع قديم ومعروف وهناك قضايا تظهر كل حين لعصابات تخصصت في ذلك آخرها قضية اتهمت فيها أحد المستشفيات الخاصة.
هذا الموضوع شغل السينما العالمية وشغل السينما المصرية منذ وقت مبكر فهناك فيلم »غيبوبة»‬ الأمريكي لجنفييف بوجولد ومايكل دوجلاس الذي لا يُنسي وفيلم »‬الحقونا» لنور الشريف وعادل أدهم الذي لا يُنسي أيضا. كما أن هناك حديثا يُتداول علي الميديا عن أطفال الشوارع الذين تقريبا اختفوا من ميادين القاهرة وطبعا لايمكن أن تكون وزارة الشئون الاجتماعية قد جمعت كل هذه الآلاف منهم. لابد أنها جمعت بعضهم في ملاجئها لكن أعدادهم الكبيرة التي لم تعد يظهر منها أحد في القاهرة بالذات تفوق قدرات أي وزراة. كما أنه بين الحين والحين يتم القبض علي عصابة خطف أطفال تحتبسهم في إحدي الشقق للشحاذة بهم أو لسرقة أعضائهم. هذا القبض يتكرر كثيرا علي هذا النوع من المجرمين. باختصار الجو العام حول موضوع القرنية هو الجو العام حول موضوع التبرع بالأعضاء، جو مخيف ومثير وغير مقنع. علي تويتر وعلي الفيس بوك أبدي الكثيرون موافقتهم علي نقل الأعضاء بعد وفاتهم وعلمنا ممن لهم خبرات بالحياة في أوروبا أن هذه الموافقة تكون أحيانا مكتوبة في بطاقات الهوية. الموافقات علي تويتر والفيس بوك تدشين فقط لأهمية الموضوع وضرورة الخروج من الأزمة.
والسؤال هنا وسط هذه الحياة العشوائية: هل فعلا سيتم نقل العضو الذي وافق صاحبه عليه أم أعضاء أخري ؟ وهل إذا تم النقل سيتم استخدام هذا العضو الذي حصل عليه المستشفي بالمجان أيضا كما حصل عليه هي أم سيكون مادة للتجارة يدفع ثمنها المرضي ؟ كل هذه شكوك ناتجة عن الحالة التي وصلنا إليها عبرالأربعين سنة السابقة من حُرمة التبرع بالأعضاء وهو أمر لا يتزعزع بسهولة بين الناس العادية وغيرهم ومع عصابات التجارة بالأعضاء التي تزداد حتي أنه مع اختفاء أي طفل الآن أو خطفه يكون علي الفور الرعب عند أهله من بيع أعضائه لا استخدامه حتي في الشحاذة !. هذا الأمر يحتاج إلي معالجة ثقافية وإعلامية ودينية لكن حتي هذه الحملة لن تنجح وسط حالة العشوائية في الفكر الديني والعشوائية في الحياة. إنه أمر مرتبط بالنهوض الاجتماعي في التعليم والصحة والاقتصاد معا. بالنهوض بالأمة وثقافتها.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف