حريات
أبراج أغا خان تقع في منطقة شمال القاهرة وتتبع حي الساحل. يصل ارتفاعها إلي 26 طابقا تطل علي النيل. مؤخرا ازدحمت المنطقة لأسباب عدة ، منها زيادة معدل الإشغال داخل الأبراج والعمارات المحيطة بها وكذلك لوجود كباري ومخارج ومداخل مرورية تسهل الحركة من وإلي محافظات الدلتا. وكجزء من الزحام استغل بعض الملاك داخل الأبراج الإقبال علي إقامة الأفراح في قاعات وأوجدوا قاعات عديدة داخل الأبراج !!
منذ أيام دعيت لحضور حفل زفاف في أحد الأبراج وهي قريبة من مسكني. أصابني الذهول عندما وصلت. القاعة داخل إحدي الشقق أو المحلات في الطابق الأول. فضولي جعلني أتجول داخل المكان ، فوجدت خمس قاعات أخري في نفس الطابق !! خمس قاعات تقام فيها حفلات زفاف في طابق واحد !! كل قاعة فيها ما لا يقل عن 200 شخص ، أي حوالي ألف شخص يحتفلون بالطبل والزمر والأنوار في طابق واحد.
تخيلت لو أن شرارة من أي نوع ومن أي اتجاه اشتعلت في هذا الطابق أو ذاك، ما النتيجة التي يمكن أن نتوقعها أو نتخيلها ؟! هل الأبراج مكان لإقامة الأفراح ؟ هل محافظة القاهرة وحي الساحل موافقون علي إقامة الأفراح في الأبراج ؟ هل شرطة الدفاع المدني موافقة علي إقامة الأفراح في الأبراج ؟ وهل تم تأمين المكان لحماية كل تلك الأرواح ؟ وهل تعلم وزارة الداخلية بالأمر؟ إذا كانت تعلم فتلك مصيبة وإذا لم تعلم فالمصيبة أعظم. فكيف لا تعلم بكل هذه الضجة وأسراب السيارات التي تطلق أبواقها ؟ وكيف لا تعلم ويفترض أن هناك رجال أمن في تلك الأبراج التي يصل ارتفاع طوابقها إلي 26 طابقا !! كيف لا تعلم الشرطة وهي التي تعلم دبة النملة !!
هل أصحاب القاعات أقوي من الشرطة ؟ أقوي من القانون؟ هل تغمض الحكومة عينيها عن الخطر الذي يحدق بآلاف الأرواح في هذه القاعات وفي الأبراج نفسها لو اشتعل حريق؟ ألا يوجد أي شعور بالخطر من جانب الأجهزة الحكومية فتعمل علي مواجهته ودرء الخطر الذي يهدد الأرواح؟. من يخالف قانون المرور يحاسب حسابا عسيرا فما بالنا بمن يتسبب في وجود خطر علي الأرواح؟ لو اشتعل حريق كم من البشر سيموت ؟. ألا تذكرون حوادث انقلاب القطارات ؟!
لا يقتصر الأمر علي خطر الحريق فحسب ، لكن مقيمي الأفراح في قاعات الأبراج المنتشرة علي مسافة لا تقل عن 500 متر قادمون من مناطق في محافظات الدلتا وبالتالي يأتون في سيارات متعددة الأشكال ومنها سيارات النقل الجماعي وكلها »تركن» أمام الأبراج صفا ثانيا وثالثا وبالطبع ورثة الشارع من »السياس» يرحبون بهم ترحيبا حارا لأن إيجار الشارع والرصيف وكل »سم» في الشارع سيرتفع ، لكن ذلك يؤدي إلي تكدس كبير في الشارع المسمي زورا بالكورنيش خاصة في ظل استغلال المحلات والمعارض مساحات أخري من الشارع ويؤدي التكدس والزحام إلي اختناق أهل المنطقة وإلي مشاكل ومشاجرات تزيد من الاحتقان وصب اللعنات علي المسئولين متجاهلي الخطر في الأبراج وفي الشوارع المحيطة بها.
نعلم أن الإهمال ينخر في عظام المجتمع وحتي بعد وقوع الكوارث لا يوجد سوي مصمصة الشفاه علي من ماتوا في حريق أو حادث بدون مبرر سوي الإهمال. واليوم تزداد هذه المنطقة زحاما ويزداد عدد قاعات الأفراح غير المرخص لها في أماكن لا تتحمل مثل هذا الزحام وهذا الخطر وفي الوقت نفسه تغض الأجهزة الحكومية البصر عن ذلك لأسباب من المؤكد أنها لو لم تكن غير شريفة لقلنا إنها إهمال !
أعلم أن المحليات صار لها »ودن من طين.. وأخري من عجين» ولم تعد تهتم بما تنشره الصحف.. لكن هذا دور الصحافة، فاعتبروا هذا بلاغا مني ضد المهملين وضد الذين يتغاضون عن حماية الناس والمنشآت مقابل مصالحهم الشخصية الدنيئة.